Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-94)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : لا أحد أعظم ظلماً ، ولا أكبر جرماً ممن كَذَبَ [ على ] الله ، بأن نسب إلى الله قولاً أو حكماً وهو تعالى بريء منه ، وإنما كان هذا أظلم الخلق ، لأن فيه من الكذب وتغيير الأديان أصولها وفروعها ، ونسبة ذلك إلى الله - ما هو من أكبر المفاسد . ويدخل في ذلك ادعاء النبوة ، وأن الله يوحي إليه وهو كاذب في ذلك ، فإنه - مع كذبه على الله ، وجرأته على عظمته وسلطانه - يوجب على الخلق أن يتبعوه ، ويجاهدهم على ذلك ، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم . ويدخل في هذه الآية كل مَنْ ادعى النبوة ، كمسيلمة الكذاب والأسود العَنْسي والمختار ، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف . { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي : ومن أظلم ممن زعم ، أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ، ويجاري الله في أحكامه ، ويشرع من الشرائع كما شرعه الله ، ويدخل في هذا كل مَنْ يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن ، وأنه في إمكانه أن يأتي بمثله . وأي : ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات ، الناقص من كل وجه ، مشاركة القوي الغني ، الذي له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، في ذاته وأسمائه وصفاته ؟ ! ! ولما ذم الظالمين ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار ، ويوم القيامة ، فقال : { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } أي : شدائده وأهواله الفظيعة ، وكُرَبه الشنيعة - لرأيت أمراً هائلاً ، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها . { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب ، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها ، وتعصيها للخروج من الأبدان : { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي : العذاب الشديد ، الذي يهينكم ويذلكم ، والجزاء من جنس العمل ، فإن هذا العذاب { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } من كذبكم عليه ، وردكم للحق ، الذي جاءت به الرسل . { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي : تَرَفَّعُون عن الانقياد لها ، والاستسلام لأحكامها . وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه ، فإن هذا الخطاب والعذاب الموجه إليهم ، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده . وفيه دليل ، على أن الروح جسم يدخل ويخرج ، ويخاطب ، ويساكن الجسد ويفارقه ، فهذه حالهم في البرزخ . وأما يوم القيامة فإنهم إذا وردوها ، وردوها مفلسين فرادى بلا أهل ولا مال ولا أولاد ولا جنود ولا أنصار ، كما خلقهم الله أول مرة ، عارين من كل شيء . فإن الأشياء ، إنما تتمول وتحصل بعد ذلك بأسبابها التي هي أسبابها ، وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الأمور التي كانت مع العبد في الدنيا ، سوى العمل الصالح والعمل السيِّىء ، الذي هو مادة الدار الآخرة ، الذي تنشأ عنه ، ويكون حسنها وقبحها ، وسرورها وغمومها ، وعذابها ونعيمها ، بحسب الأعمال . فهي التي تنفع أو تضر ، وتسوء أو تسر ، وما سواها من الأهل والولد ، والمال والأنصار ، فعواري خارجية ، وأوصاف زائلة ، وأحوال حائلة ، ولهذا قال تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ } أي : أعطيناكم وأنعمنا به عليكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } لا يغنون عنكم شيئاً { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } . فإن المشركين يشركون بالله ، ويعبدون معه الملائكة والأنبياء والصالحين ، وغيرهم ، وهم كلهم لله ، ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيباً من أنفسهم ، وشركة في عبادتهم ، وهذا زعم منهم وظلم ، فإن الجميع عبيد لله ، والله مالكهم ، والمستحق لعبادتهم . فشركهم في العبادة ، وصرفها لبعض العبيد ، تنزيل لهم منزلة الخالق المالك ، فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة . { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } أي : تقطعت الوصل والأسباب بينكم وبين شركائكم ، من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تجد شيئا . { وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } من الربح والأمن ، والسعادة والنجاة ، التي زينها لكم الشيطان وحسنها في قلوبكم ، فنطقت بها ألسنتكم . واغتررتم بهذا الزعم الباطل الذي لا حقيقة له ، حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون ، وظهر أنكم الخاسرون لأنفسكم وأهليكم وأموالكم .