Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكثر المسلمون في المدينة واعتز الإسلام بها ، صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج ، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ليبقى جاههم ، وتحقن دماؤهم ، وتسلم أموالهم ، فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون ، لكي يحذر العباد منهم ، ويكونوا منهم على بصيرة ، فقال : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ } على وجه الكذب : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } وهذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب والنفاق ، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله ، فإن { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } في قولهم ودعواهم ، وأن ذلك ليس بحقيقة منهم . { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } أي : ترساً يتترسون بها من نسبتهم إلى النفاق . فصدوا عن سبيله بأنفسهم ، وصدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم ، { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، وأقسموا على ذلك وأوهموا صدقهم ، { ذَلِكَ } الذي زين لهم النفاق { بـِ } سبب { أَنَّهُمْ } لا يثبتون على الإيمان . بل { آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } بحيث لا يدخلها الخير أبدًا ، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ما ينفعهم ، ولا يعون ما يعود بمصالحهم ، { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها ، { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي : من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه ، فأجسامهم وأقوالهم معجبة ، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح ، شيء ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها ، ولا ينال منها إلا الضرر المحض ، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم . فهؤلاء { هُمُ ٱلْعَدُوُّ } على الحقيقة ، لأن العدو البارز المتميز أهون من العدو الذي لا يشعر به ، وهو مخادع ماكر ، يزعم أنه وَلي ، وهو العدو المبين ، { فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته ، واتضحت معالمه ، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء { وَإِذَا قِيلَ } لهؤلاء المنافقين { تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } عما صدر منكم ، لتحسن أحوالكم ، وتقبل أعمالكم ، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع ، و { لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } امتناعاً من طلب الدعاء من الرسول ، { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } عن الحق بغضاً له { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } عن اتباعه بغياً وعناداً ، فهذه حالهم عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول ، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله ، حيث لم يأتوا إليه ، فيستغفر لهم ، فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ، وذلك لأنهم قوم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ، مؤثرون للكفر على الإيمان ، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول ، لو استغفر لهم كما قال تعالى : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } .