Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 38-52)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه ، فدخل في ذلك كل الخلق ، بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة ، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم ، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى ، ونزه الله رسوله عما رماه به أعداؤه ، من أنه شاعر أو ساحر ، وأن الذي حملهم على ذلك ، عدم إيمانهم وتذكرهم ، فلو آمنوا وتذكروا ، لعلموا ما ينفعهم ويضرهم ، ومن ذلك ، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم ، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه ، لرأوا أمراً مثل الشمس يدلهم على أنه رسول الله حقاً ، وأن ما جاء به تنزيل رب العالمين ، لا يليق أن يكون قول البشر ، بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به ، وجلالة أوصافه ، وكمال تربيته لعباده ، وعلوه فوق عباده ، وأيضاً ، فإن هذا ظن منهم بما لا يليق بالله وحكمته فإنه لو تقول عليه وافترى { بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } الكاذبة ، { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } وهو عرق متصل بالقلب ، إذا انقطع ، مات منه الإنسان ، فلو قدر أن الرسول - حاشا وكلا - تقوَّل على الله ، لعاجله بالعقوبة ، وأخذه أخذ عزيز مقتدر ، لأنه حكيم ، على كل شيء قدير ، فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه ، الذي يزعم أن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم ، وأنه هو وأتباعه لهم النجاة ، ومن خالفه فله الهلاك . فإذا كان الله قد أيد رسوله بالمعجزات ، وبرهن على صدق ما جاء به بالآيات البينات ، ونصره على أعدائه ، ومكنه من نواصيهم ، فهو أكبر شهادة منه على رسالته . وقوله : { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } أي : لو أهلكه ، ما امتنع هو بنفسه ، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله . { وَإِنَّهُ } أي : القرآن الكريم { لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم ، فيعرفونها ، ويعملون عليها ، يذكرهم العقائد الدينية ، والأخلاق المرضية ، والأحكام الشرعية ، فيكونون من العلماء الربانيين ، والعباد العارفين ، والأئمة المهديين ، { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } به ، وهذا فيه تهديد ووعيد للمكذبين ، فإنه سيعاقبهم على تكذيبهم بالعقوبة البليغة ، { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } فإنهم لما كفروا به ، ورأوا ما وعدهم به ، تحسروا إذ لم يهتدوا به ، ولم ينقادوا لأمره ، ففاتهم الثواب ، وحصلوا على أشد العذاب ، وتقطعت بهم الأسباب . { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي : أعلى مراتب العلم ، فإن أعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت ، الذي لا يتزلزل ولا يزول . واليقين مراتبه ثلاثة ، كل واحدة أعلى مما قبلها : أولها : علم اليقين ، وهو العلم المستفاد من الخبر . ثم عين اليقين ، وهو العلم المدرك بحاسة البصر . ثم حق اليقين ، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة . وهذا القرآن الكريم ، بهذا الوصف ، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية ، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية ، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين . { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي : نزهه عما لا يليق بجلاله ، وقدّسه بذكر أوصاف جلاله وجماله وكماله .