Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 25-37)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هؤلاء أهل الشقاء ، يُعْطَوْنَ كتب أعمالهم السيئة بشمالهم تمييزاً لهم وخزياً ، وعاراً وفضيحة ، فيقول أحدهم من الهم والغم والخزي : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } لأنه يبشر بدخول النار ، والخسارة الأبدية ، { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أي : ليتني كنت نسياً منسياً ، ولم أبعث وأحاسب ولهذا قال : { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } أي : يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها . ثم التفت إلى ماله وسلطانه ، فإذا هو وبال عليه ، لم يقدم منه لآخرته ، ولم ينفعه في الافتداء من عذاب الله ، فيقول : { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } أي : ما نفعني لا في الدنيا ، لم أقدم منه شيئاً ، ولا في الآخرة ، قد ذهب وقت نفعه . { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي : ذهب واضمحل ، فلم تنفع الجنود الكثيرة ، ولا العدد الخطيرة ، ولا الجاه العريض ، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح ، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح ، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح ، فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } أي : اجعلوا في عنقه غلاً يخنقه . { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي : قلبوه على جمرها ولهبها ، { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً } من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة ، { فَاسْلُكُوهُ } أي : انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه ، ويعلق فيها ، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع ، فبئس العذاب والعقاب ، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب ، فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل : { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } بأن كان كافراً بربه ، معانداً لرسله ، رادّاً ما جاؤوا به من الحق ، { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي : ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين ، فلا يطعمهم [ من ماله ] ، ولا يحض غيره على إطعامهم ، لعدم الوازع في قلبه ، وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران : الإخلاص لله ، الذي أصله الإيمان بالله ، والإحسان إلى الخلق ، بوجوه الإحسان ، الذي من أعظمها ، دفع ضرورة المحتاجين ، بإطعامهم ما يتقوتون به ، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان ، فلذلك استحقوا ما استحقوا . { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا } أي : يوم القيامة { حَمِيمٌ } أي : قريب أو صديق يشفع له ، لينجو من عذاب الله ، أو يفوز بثواب الله : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] . وليس له طعامٌ إلا من غسلين وهو صديد أهل النار ، الذي هو في غاية الحرارة ، ونتن الريح ، وقبح الطعم ومرارته لا يأكل هذا الطعام الذميم { إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } الذين أخطؤوا الصراط المستقيم ، وسلكوا سبل الجحيم ، فلذلك استحقوا العذاب الأليم .