Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-193)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أيها الرجال والنساء ، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم . { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهو آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم . { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي : خلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر ، فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة . { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } أي : تجللها مجامعاً لها قدَّر الباري أن يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل ، [ وحينئذ ] حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا ، وذلك في ابتداء الحمل ، لا تحس به الأنثى ، ولا يثقلها . { فَلَمَّآ } استمرت به و { أَثْقَلَتْ } به حين كبر في بطنها ، فحينئذٍ صار في قلوبهما الشفقة على الولد ، وعلى خروجه حياً صحيحاً ، سالماً لا آفة فيه [ كذلك ] ، فدعوا { ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا } ولداً { صَالِحاً } أي : صالح الخلقة تامها ، لا نقص فيه { لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } . { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } على وفق ما طلبا ، وتمت عليهما النعمة فيه { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أي : جعلا للّه شركاء في ذلك الولد الذي انفرد اللّه بإيجاده والنعمة به ، وأقرَّ به أعين والديه ، فَعَبَّدَاه لغير اللّه . إما أن يسمياه بعبد غير اللّه كـ " عبد الحارث " و " عبد العزيز " و " عبد الكعبة " ونحو ذلك ، أو يشركا باللّه في العبادة ، بعدما منَّ اللّه عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد . وهذا انتقال من النوع إلى الجنس ، فإن أول الكلام في آدم وحواء ، ثم انتقل إلى الكلام في الجنس ، ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيراً ، فلذلك قررهم اللّه على بطلان الشرك ، وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم ، سواء كان الشرك في الأقوال ، أم في الأفعال ، فإن الخالق لهم من نفس واحدة ، الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً ، ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم إلى بعض ، ويألفه ويلتذ به ، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة والأولاد والنسل . ثم أوجد الذرية في بطون الأمهات ، وقتاً موقوتاً ، تتشوف إليه نفوسهم ، ويدعون اللّه أن يخرجه سوياً صحيحاً ، فأتم اللّه عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم . أفلا يستحق أن يعبدوه ، ولا يشركوا به في عبادته أحداً ، ويخلصوا له الدين ، ولكن الأمر جاء على العكس ، فأشركوا باللّه من لا { يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ } أي : لعابديها { نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } . فإذا كانت لا تخلق شيئاً ، ولا مثقال ذرة ، بل هي مخلوقة ، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عن من يعبدها ، بل ولا عن أنفسها ، فكيف تتخذ مع اللّه آلهة ؟ ! ! إن هذا إلا أظلم الظلم ، وأسفه السفه . وإن تدعوا ، أيها المشركون هذه الأصنام ، التي عبدتم من دون اللّه { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } فصار الإنسان أحسن حالة منها ، لأنها لا تسمع ولا تبصر ، ولا تهدِي ولا تُهدى ، وكل هذا إذا تصوره اللبيب العاقل تصوراً مجرداً ، جزم ببطلان إلهيتها ، وسفاهة من عبدها .