Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 65-72)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } إلى آخر القصة . أي : { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ عَادٍ } الأولى ، الذين كانوا في أرض اليمن { أَخَاهُمْ } في النسب { هُوداً } عليه السلام ، يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك والطغيان في الأرض . فـ { قَالَ } لهم : { يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } سخطه وعذابه ، إن أقمتم على ما أنتم عليه ، فلم يستجيبوا ولا انقادوا . فـ { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } رادين لدعوته ، قادحين في رأيه : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي : ما نراك إلا سفيهاً غير رشيد ، ويغلب على ظننا أنك من جملة الكاذبين ، وقد انقلبت عليهم الحقيقة ، واستحكم عماهم حيث رموا نبيهم عليه السلام بما هم متصفون به ، وهو أبعد الناس عنه ، فإنهم السفهاء حقاً الكاذبون . وأيّ سفه أعظم ممن قابل أحق الحق بالرد والإنكار ، وتكبر عن الانقياد للمرشدين والنصحاء ، وانقاد قلبه وقالبه لكل شيطان مريد ، ووضع العبادة في غير موضعها ، فعبد من لا يغني عنه شيئاً من الأشجار والأحجار ؟ ! ! وأيّ كذب أبلغ من كذب من نسب هذه الأمور إلى اللّه تعالى ؟ ! ! { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } بوجه من الوجوه ، بل هو الرسول المرشد الرشيد ، { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } . فالواجب عليكم أن تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد وطاعة رب العباد . { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } أي : كيف تعجبون من أمر لا يتعجب منه ، وهو أن اللّه أرسل إليكم رجلاً منكم تعرفون أمره ، يذكركم بما فيه مصالحكم ، ويحثكم على ما فيه النفع لكم ، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين . { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي : واحمدوا ربكم واشكروه ، إذ مكن لكم في الأرض ، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة الذين كذبوا الرسل ، فأهلكهم اللّه وأبقاكم ، لينظر كيف تعملون ، واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا ، فيصيبكم ما أصابهم ، { وَ } اذكروا نعمة اللّه عليكم التي خصكم بها ، وهي أن { زَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } في القوة وكبر الأجسام ، وشدة البطش ، { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } أي : نعمه الواسعة ، وأياديه المتكررة { لَعَلَّكُمْ } إذا ذكرتموها بشكرها وأداء حقها { تُفْلِحُونَ } أي : تفوزون بالمطلوب ، وتنجون من المرهوب ، فوعظهم وذكرهم ، وأمرهم بالتوحيد ، وذكر لهم وصف نفسه ، وأنه ناصح أمين ، وحذرهم أن يأخذهم اللّه كما أخذ من قبلهم ، وذكرهم نعم اللّه عليهم وإدرار الأرزاق إليهم ، فلم ينقادوا ولا استجابوا . فـ { قَالُوۤاْ } متعجبين من دعوته ، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } قبحهم اللّه ، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور ، من الأمور التي لا يُعارَضُون بها ما وجدوا عليه آباءهم ، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام ، على ما دعت إليه الرسل من توحيد اللّه وحده لا شريك له ، وكذبوا نبيهم ، وقالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } وهذا استفتاح منهم على أنفسهم . فقَالَ لهم هود عليه السلام : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أي : لا بدَّ من وقوعه ، فإنه قد انعقدت أسبابه ، وحان وقت الهلاك { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ } أي : كيف تجادلون على أمور لا حقائق لها ، وعلى أصنام سميتموها آلهة ، وهي لا شيء من الآلهة فيها ، ولا مثقال ذرة و { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } فإنها لو كانت صحيحة لأنزل اللّه بها سلطاناً ، فعدم إنزاله له دليل على بطلانها ، فإنه ما من مطلوب ومقصود - وخصوصاً الأمور الكبار - إلا وقد بين اللّه فيها من الحجج ما يدل عليها ، ومن السلطان ما لا تخفى معه { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } ما يقع بكم من العقاب ، الذي وعدتكم به { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } وفرق بين الانتظارين ، انتظار من يخشى وقوع العقاب ، ومن يرجو من اللّه النصر والثواب ، ولهذا فتح اللّه بين الفريقين فقال : { فَأَنجَيْنَاهُ } أي : هوداً { وَٱلَّذِينَ } آمنوا { مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } فإنه الذي هداهم للإيمان ، وجعل إيمانهم سبباً ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته ، { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي : استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحداً ، وسلط اللّه عليهم الريح العقيم ، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين أقيمت عليهم الحجج ، فلم ينقادوا لها ، وأمروا بالإيمان فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك ، والخزي والفضيحة . { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] . وقال هنا { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } بوجه من الوجوه ، بل وصفهم التكذيب والعناد ، ونعتهم الكبر والفساد .