Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-79)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } إلى آخر قصتهم . أي : { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ ثَمُودَ } القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله من أرض الحجاز وجزيرة العرب ، أرسل اللّه إليهم { أَخَاهُمْ صَالِحاً } نبياً يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد ، وينهاهم عن الشرك والتنديد ، فـ { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين ، الأمر بعبادة اللّه ، وبيان أنه ليس للعباد إله غير اللّه ، { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي : خارق من خوارق العادات ، التي لا تكون إلا آية سماوية لا يقدر الناس عليها ، ثم فسرها بقوله : { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } أي : هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها إلى اللّه تعالى إضافة تشريف ، لكم فيها آية عظيمة . وقد ذكر وجه الآية في قوله : { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] . وكان عندهم بئر كبيرة ، وهي المعروفة ببئر الناقة ، يتناوبونها هم والناقة ، للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها ، ولهم يوم يردونها ، وتصدر الناقة عنهم . وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } فلا عليكم من مئونتها شيء ، { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } أي : بعقر أو غيره ، { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ } في الأرض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم { مِن بَعْدِ عَادٍ } الذين أهلكهم اللّه ، وجعلكم خلفاء من بعدهم ، { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : مكن لكم فيها ، وسهل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً } أي : من الأراضي السهلة التي ليست بجبال ، تَتَخذون فيها القصور العالية والأبنية الحصينة ، { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً } كما هو مشاهد إلى الآن من أعمالهم التي في الجبال ، من المساكن والحجر ونحوها ، وهي باقية ما بقيت الجبال ، { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } أي : نعمه ، وما خولكم من الفضل والرزق والقوة ، { وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي : لا تخربوا الأرض بالفساد والمعاصي ، فإن المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع ، وقد أخلت ديارهم منهم ، وأبقت مساكنهم موحشة بعدهم . { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي : الرؤساء والأشراف الذين تكبروا عن الحق ، { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين ، قالوا { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } أي : أهو صادق أم كاذب ؟ . فقال المستضعفون : { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } من توحيد اللّه والخبر عنه وأمره ونهيه . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء . { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } التي توعدهم إن مسوها بسوء أن يصيبهم عذاب أليم ، { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أي : قسوا عنه ، واستكبروا عن أمره الذي من عتا عنه أذاقه العذاب الشديد . لا جرم أحل اللّه بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم { وَقَالُواْ } مع هذه الأفعال متجرئين على اللّه ، مُعَجِّزين له ، غير مبالين بما فعلوا ، بل مفتخرين بها : { يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } إن كنت من الصادقين من العذاب ، فقال : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } على ركبهم ، قد أبادهم اللّه ، وقطع دابرهم ، { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } صالح عليه السلام حين أحل اللّه بهم العذاب ، { وَقَالَ } مخاطباً لهم توبيخاً وعتاباً ، بعدما أهلكهم اللّه : { يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي : جميع ما أرسلني اللّه به إليكم ، قد أبلغتكم به وحرصت على هدايتكم ، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم . { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ } بل رددتم قول النصحاء ، وأطعتم كل شيطان رجيم . واعلم أن كثيراً من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح ، وأنها تمخضت تمخض الحامل ، فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلاً حين عقروها ، رغى ثلاث رغيات ، وانفلق له الجبل ودخل فيه ، وأن صالحاً عليه السلام قال لهم : آية نزول العذاب بكم ، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني : محمرة ، والثالث : مسودة ، فكان كما قال . وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب اللّه ، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه ، بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى ، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره ، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله ، بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات ، فإن صالحا قال لهم : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [ هود : 65 ] أي : تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جداً ، فإنه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا ، وأي : لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب ، وذكر لهم وقوع مقدماته ، فوقعت يوماً فيوماً على وجه يعمهم ويشملهم [ احمرار وجوههم ، واصفرارها واسودادها من العذاب ] . هل هذا إلا مناقض للقرآن ، ومضاد له ؟ ! ! . فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه . نعم لو صح شيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما لا يناقض كتاب اللّه ، فعلى الرأس والعين ، وهو مما أمر القرآن باتباعه { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية ، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها ، فإن معاني كتاب اللّه يقينية ، وتلك أمور لا تصدق ولا تكذب ، فلا يمكن اتفاقهما .