Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 19-35)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية ، أنه هلوع . وفسر الهلوع بأنه : { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } فيجزع إن أصابه فقر أو مرض ، أو ذهاب محبوب له ، من مال أو أهل أو ولد ، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله ، { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } فلا ينفق مما آتاه الله ، ولا يشكر الله على نعمه وبره ، فيجزع في الضراء ، ويمنع في السراء . { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } الموصوفين بتلك الأوصاف ، فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله ، وأنفقوا مما خولهم الله ، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا . وقوله [ في وصفهم ] { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } أي : مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها . وليسوا كمن لا يفعلها ، أو يفعلها وقتاً دون وقت ، أو يفعلها على وجه ناقص . { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } من زكاة وصدقة { لِّلسَّآئِلِ } الذي يتعرض للسؤال ، { وَٱلْمَحْرُومِ } وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه ، ولا يفطن له ، فيتصدق عليه . { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي : يؤمنون بما أخبر الله به ، وأخبرت به رسله ، من الجزاء والبعث ، ويتيقنون ذلك ، فيستعدون للآخرة ، ويسعون لها سعيها . والتصديق بيوم الدين ، يلزم منه التصديق بالرسل ، وبما جاؤوا به من الكتب . { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } أي : خائفون وجلون ، فيتركون لذلك كل ما يقربهم من عذاب الله . { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } أي : هو العذاب الذي يخشى ويحذر . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } فلا يطؤون بها وطأً محرماً ، من زنى أو لواطٍ ، أو وطءٍ في دبر ، أو حيض ، ونحو ذلك ، ويحفظونها أيضاً من النظر إليها ومسها ، ممن لا يجوز له ذلك ، ويتركون أيضاً ، وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة . { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي : سرياتهم { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } في وطئهن ، في المحل الذي هو محل الحرث ، { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ } أي : غير الزوجة وملك اليمين ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي : المتجاوزون ما أحل الله إلى ما حرم الله ، ودلّت هذه الآية على تحريم [ نكاح ] المتعة ، لكونها غير زوجة مقصودة ، ولا ملك يمين . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } أي : مراعون لها ، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها ، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه ، كالتكاليف السرية ، التي لا يطلع عليها إلا الله ، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق ، في الأموال والأسرار ، وكذلك العهد ، شامل للعهد الذي عاهد عليه الله ، والعهد الذي عاهد عليه الخلق ، فإن العهد يسأل عنه العبد ، هل قام به ووفاه ، أم رفضه وخانه فلم يقم به ؟ { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } أي : لا يشهدون إلا بما يعلمونه ، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان ، ولا يحابي فيها قريباً ولا صديقاً ونحوه ، ويكون القصد بها وجه الله . قال تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [ الطلاق : 2 ] { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] . { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } بمداومتها على أكمل وجوهها ، { أُوْلَـٰئِكَ } أي : الموصوفون بتلك الصفات { فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } أي : قد أوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون . وحاصل هذا ، أن الله وصف أهل السعادة والخير بهذه الأوصاف الكاملة ، والأخلاق الفاضلة ، من العبادات البدنية ، كالصلاة ، والمداومة عليها ، والأعمال القلبية ، كخشية الله الداعية لكل خير ، والعبادات المالية ، والعقائد النافعة ، والأخلاق الفاضلة ، ومعاملة الله ، ومعاملة خلقه ، أحسن معاملة من إنصافهم ، وحفظ عهودهم وأسرارهم ، والعفة التامة بحفظ الفروج عما يكره الله تعالى .