Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-7)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مبيناً لجهل المعاندين ، واستعجالهم لعذاب الله ، استهزاءً وتعنتاً وتعجيزاً : { سَأَلَ سَآئِلٌ } أي : دعا داع ، واستفتح مستفتح { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ } لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ ٱللَّهِ } أي : ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل ، من متمردي المشركين ، أحد يدفعه قبل نزوله ، أو يرفعه بعد نزوله ، وهذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المشركين ، فقال : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } إلى آخر الآيات [ الأنفال : 32 ] . فالعذاب لا بدّ أن يقع عليهم من الله ، فإما أن يعجل لهم في الدنيا ، وإما أن يؤخر عنهم إلى الآخرة ، فلو عرفوا الله تعالى ، وعرفوا عظمته ، وسعة سلطانه وكمال أسمائه وصفاته ، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا ، ولهذا أخبر تعالى من عظمته ما يضاد أقوالهم القبيحة ، فقال : { ذِي ٱلْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } أي : ذو العلو والجلال والعظمة ، والتدبير لسائر الخلق ، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها على تدبيره ، وتعرج إليه الروح ، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها ، برَّها وفاجرها ، وهذا عند الوفاة ، فأما الأبرار ، فتعرج أرواحهم إلى الله ، فيؤذن لها من سماء إلى سماء ، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ، فتُحيِّي ربها وتَسلم عليه ، وتحظى بقربه ، وتبتهج بالدنو منه ، ويحصل لها منه الثناء والإكرام ، والبر والإعظام . وأما أرواح الفجار فتعرج ، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها ، وأعيدت إلى الأرض . ثم ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح ، وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب ، وأعانها عليه من اللطافة والخفة وسرعة السير ، مع أن تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين ألف سنة ، من ابتداء العروج إلى وصولها ، ما حُدَّ لها ، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى ، فهذا الملك العظيم ، والعالم الكبير ، علويه وسفليه ، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره ، العليُّ الأعلى ، فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة ، وعلم مستقرهم ومستودعهم ، وأوصلهم من رحمته وبره ورزقه ، ما عمهم وشملهم وأجرى عليهم حكمه القدري ، وحكمه الشرعي ، وحكمه الجزائي . فبؤساً لأقوام جهلوا عظمته ، ولم يقدروه حق قدره ، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان ، وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم ، وآذوه فصبر عليهم ، وعافاهم ورزقهم . هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية [ الكريمة ] ، فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا ، لأن السياق الأول يدل على هذا . ويحتمل أن هذا في يوم القيامة ، وأن الله تبارك وتعالى يُظْهِرْ لعباده في يوم القيامة ، من عظمته وجلاله وكبريائه ، ما هو أكبر دليل على معرفته ، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح ، صاعدة ونازلة ، بالتدابير الإلهية ، والشؤون في الخليقة . في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته ، لكن الله تعالى يخففه على المؤمن . وقوله : { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } أي : اصبر على دعوتك لقومك صبراً جميلاً ، لا تضجّر فيه ولا ملل ، بل استمر على أمر الله ، وادع عباده إلى توحيده ، ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم ، وعدم رغبتهم ، فإن في الصبر على ذلك خيراً كثيراً ، { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } الضمير يعود إلى البعث ، الذي يقع فيه عذاب السائلين بالعذاب أي : إن حالهم حال المنكر له ، أو الذي غلبت عليه الشقوة والسكرة ، حتى تباعد جميع ما أمامه من البعث والنشور ، والله يراه قريباً ، لأنه رفيق حليم لا يعجل ، ويعلم أنه لا بد أن يكون ، وكل ما هو آتٍ فهو قريب . ثم ذكر أهوال ذلك اليوم وما يكون فيه ، فقال : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ … } .