Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 22-28)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } . أي : لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله ، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق ، لا يملك ضراً ولا رشداً ، ولا يمنع نفسه من الله [ شيئاً ] إن أراده بسوء ، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى ، { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي : ملجأً ومنتصراً . { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } أي : ليس لي مزية على الناس ، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة الخلق إلى الله ، وبهذا تقوم الحجة على الناس . { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدا } وهذا المراد به المعصية الكفرية ، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة . وأما مجرد المعصية ، فإنه لا يوجب الخلود في النار ، كما دلّت على ذلك آيات القرآن ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمة هذه الأمة . { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } أي : شاهدوه عياناً ، وجزموا أنه واقع بهم ، { فَسَيَعْلَمُونَ } في ذلك الوقت حقيقة المعرفة { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } حين لا ينصرهم غيرهم ولا أنفسهم ينتصرون ، وإذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة . { قُلْ } لهم إن سألوك [ فقالوا ] " متى هذا الوعد ؟ " : { إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } أي : غاية طويلة ، فعلم ذلك عند الله ، { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } من الخلق ، بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار والغيب ، { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } أي : فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به ، وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم ، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحداً من الخلق ، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته ، من غير أن تتخبطهم الشياطين ، ولا يزيدوا فيه أو ينقصوا ، ولهذا قال : { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } أي : يحفظونه بأمر الله { لِّيَعْلَمَ } بذلك { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ } بما جعله لهم من الأسباب ، { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي : بما عندهم ، وما أسروه وأعلنوه ، { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } . وفي هذه السورة فوائد كثيرةٌ : منها : وجود الجن ، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون ، مجازون بأعمالهم ، كما هو صريح في هذه السورة . ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولٌ إلى الجن ، كما هو رسول إلى الإنس ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم . ومنها : ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق ، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن ، وحسن أدبهم في خطابهم . ومنها : اعتناء الله برسوله ، وحفظه لما جاء به ، فحين ابتدأت بشائر نبوته ، والسماء محروسة بالنجوم ، والشياطين قد هربت عن أماكنها ، وأزعجت عن مراصدها ، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر ، وأراد بهم ربهم رشداً ، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض ، ما تبتهج له القلوب ، وتفرح به أولو الألباب ، وتظهر به شعائر الإسلام ، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام . ومنها : شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتراكمهم عليه . ومنها : أن هذه السورة ، قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك ، وبينت حالة الخلق ، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة ، لأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً ، بل ولا يملك لنفسه ، علم أن الخلق كلهم كذلك ، فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلهاً [ آخر ] مع الله . ومنها : أن علوم الغيب قد انفرد الله بعلمها ، فلا يعلمها أحد من الخلق ، إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيءٍ منها .