Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 6-21)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقاً أي : طغياناً وتكبراً ، لما رأوا الإنس يعبدونهم ، ويستعيذون بهم ، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي : زاد الجن الإنس ذعراً وتخويفاً لما رأوهم يستعيذون بهم ، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم ، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف ، قال : " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه " . { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } أي : فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان . { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ } أي : أتيناها واختبرناها ، { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } عن الوصول إلى أرجائها [ والدنو منها ] ، { وَشُهُباً } يرمى بها من استرق السمع ، وهذا بخلاف عادتنا الأولى ، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء . { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ } فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله ، { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } أي : مرصداً له ، معداً لإتلافه وإحراقه ، أي : وهذا له شأن عظيم ، ونبأ جسيم ، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثاً كبيراً ، من خير أو شر ، فلهذا قالوا : { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } أي : لا بدّ من هذا أو هذا ، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيراً أنكروه ، فعرفوا بفطنتهم ، أن هذا الأمر يريده الله ، ويحدثه في الأرض ، وفي هذا بيان لأدبهم ، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى ، والشر حذفوا فاعله تأدباً مع الله . { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي : فساق وفجار وكفار ، { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي : فرقاً متنوعة ، وأهواء متفرقة ، كل حزب بما لديهم فرحون . { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي : وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا ، وأن نواصينا بيد الله ، فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته ، لا ملجأ منه إلا إليه ، { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } وهو القرآن الكريم ، الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعرفنا هدايته وإرشاده ، أثّر في قلوبنا فـ { آمَنَّا بِهِ } . ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا : { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ } إيماناً صادقاً { فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } أي : لا نقصاً ولا طغياناً ولا أذىً يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير ، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر . { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي : الجائرون ، العادلون عن الصراط المستقيم . { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي : أصابوا طريق الرشد ، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها ، { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } وذلك جزاء على أعمالهم ، لا ظلم من الله لهم ، فإنهم { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } المثلى { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي : هنيئاً مريئاً ، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم . { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي : لنختبرهم فيه ونمتحنهم ، ليظهر الصادق من الكاذب . { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي : من أعرض عن ذكر الله ، الذي هو كتابه ، فلم يتبعه وينقد له ، بل غفل عنه ولهى ، يسلكه عذاباً صعداً أي : شديداً بليغاً . { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } أي : لا دعاء عبادة ، ولا دعاء مسألة ، فإن المساجد التي هي أعظم محالّ العبادة مبنية على الإخلاص لله ، والخضوع لعظمته ، والاستكانة لعزته ، { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ } أي : يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا أي : متلبدين متراكمين ، حرصاً على سماع ما جاء به من الهدى . { قُلْ } لهم يا أيها الرسول ، مبيناً حقيقة ما تدعو إليه : { إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } أي : أوحده وحده لا شريك له ، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان ، وكل ما يتخذه المشركون من دونه . { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } فإني عبد ليس لي من الأمر ولا من التصرف شيء .