Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-31)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات ، نزلت في الوليد بن المغيرة ، معاند الحق ، والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة ، فذمه الله ذماً لم يذمه غيره ، وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه ، أن له الخزي في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، فقال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } أي : خلقته منفرداً ، بلا مال ولا أهل ، ولا غيره ، فلم أزل أنميه وأربيه ، { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } أي : كثيراً { وَ } جعلت له { بَنِينَ } أي : ذكوراً { شُهُوداً } أي : دائماً حاضرين عنده ، [ على الدوام ] يتمتع بهم ، ويقضي بهم حوائجه ، ويستنصر بهم . { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي : مكنته من الدنيا وأسبابها ، حتى انقادت له مطالبه ، وحصل على ما يشتهي ويريد ، { ثُمَّ } مع هذه النعم والإمدادات { يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } أي : يطمع أن ينال نعيم الآخرة كما نال نعيم الدنيا . { كَلاَّ } أي : ليس الأمر كما طمع ، بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه ، وذلك لأنه { كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } أي : معانداً ، عرفها ثم أنكرها ، ودعته إلى الحق فلم ينقد لها ولم يكفه أنه أعرض وتولى عنها ، بل جعل يحاربها ويسعى في إبطالها ، ولهذا قال عنه : { إِنَّهُ فَكَّرَ } [ أي : ] في نفسه { وَقَدَّرَ } ما فكر فيه ، ليقول قولاً يبطل به القرآن . { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } لأنه قدر أمراً ليس في طوره ، وتَسَوَّر على ما لا يناله هو و [ لا ] أمثاله ، { ثُمَّ نَظَرَ } ما يقول ، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } في وجهه ، وظاهره نفرة عن الحق وبغضاً له ، { ثُمَّ أَدْبَرَ } أي : تولى { وَٱسْتَكْبَرَ } نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي ، أن قال : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } أي : ما هذا كلام الله ، بل كلام البشر ، وليس أيضاً كلام البشر الأخيار ، بل كلام الفجار منهم والأشرار ، من كل كاذب سحار . فتبّاً له ، ما أبعده من الصواب ، وأحراه بالخسارة والتباب ! ! كيف يدور في الأذهان ، أو يتصوره ضمير كل إنسان ، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه ، كلام الرب العظيم ، الماجد الكريم ، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين ؟ ! أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد ، على وصفه كلام المبدئ المعيد . فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال ، ولهذا قال تعالى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } أي : لا تبقي من الشدة ، ولا على المعذب شيئاً إلا وبلغته ، { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } أي : تلوحهم [ وتصليهم ] في عذابها ، وتقلقهم بشدة حرِّها وقَرِّها . { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } من الملائكة ، خزنة لها ، غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون . { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم . { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } يحتمل أن المراد : إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة ، ولزيادة نكالهم فيها ، والعذاب يسمى فتنة ، كما قال تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] ويحتمل أن المراد : أنا ما أخبرناكم بعدتهم ، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذّب ، ويدلّ على هذا ، ما ذكر بعده في قوله : { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً } فإن أهل الكتاب ، إذا وافق ما عندهم وطابقه ، ازداد يقينهم بالحق ، والمؤمنون كلما أنزل الله آية ، فآمنوا بها وصدقوا ، ازداد إيمانهم ، { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أي : ليزول عنهم الريب والشك ، وهذه مقاصد جليلة ، يعتني بها أولو الألباب ، وهي السعي في اليقين ، وزيادة الإيمان في كل وقت ، وكل مسألة من مسائل الدين ، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق ، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلاً لهذه الفوائد الجليلة ، ومميزاً للكاذبين من الصادقين ، ولهذا قال : { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي : شك وشبهة ونفاق . { وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } وهذا على وجه الحيرة والشك ، والكفر منهم بآيات الله ، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه ، وإضلاله لمن يضل ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } فمن هداه الله ، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمةً في حقه ، وزيادةً في إيمانه ودينه ، ومن أضله ، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة ، وظلمة في حقه ، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم ، فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إِلاَّ هُوَ } فإذا كنتم جاهلين بجنوده ، وأخبركم بها العليم الخبير ، فعليكم أن تصدقوا خبره ، من غير شك ولا ارتياب ، { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي : وما هذه الموعظة والتذكار مقصوداً به العبث واللعب ، وإنما المقصود به ، أن يتذكر [ به ] البشر ما ينفعهم فيفعلونه ، وما يضرهم فيتركونه .