Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 32-56)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَلاَّ } هنا بمعنى : حقاً ، أو بمعنى " ألا " الاستفتاحية ، فأقسم تعالى بالقمر ، وبالليل وقت إدباره ، والنهار وقت إسفاره ، لاشتمال المذكورات على آيات الله العظيمة ، الدالة على كمال قدرة الله وحكمته ، وسعة سطانه ، وعموم رحمته ، وإحاطة علمه والمقسم عليه قوله : { إِنَّهَا } أي : النار { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي : لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة ، فإذا أعلمناكم بها ، وكنتم على بصيرة من أمرها ، فمن شاء منكم أن يتقدم ، فيعمل بما يقربه من ربه ، ويدنيه من رضاه ، ويزلفه من دار كرامته ، أو يتأخر [ عمّا خلق له و ] عمّا يحبه الله [ ويرضاه ] ، فيعمل بالمعاصي ، ويتقرب إلى نار جهنم ، كما قال تعالى : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية [ الكهف : 29 ] . { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من أعمال السوء وأفعال الشر ، { رَهِينَةٌ } بها موثقة بسعيها ، قد ألزم عنقها ، وغل في رقبتها ، واستوجبت به العذاب ، { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لم يرتهنوا ، بل أطلقوا وفرحوا { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : في جنات قد حصل لهم بها جميع مطلوباتهم ، وتمت لهم الراحة والطمأنينة ، حتى أقبلوا يتساءلون ، فأفضت بهم المحادثة ، أن سألوا عن المجرمين ، أي : حال وصلوا إليها ، وهل وجدوا ما وعدهم الله تعالى ؟ فقال بعضهم لبعض : " هل أنتم مطلعون عليهم " ، فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون ، فقالوا لهم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } أي : أي شيء أدخلكم فيها ؟ وبأي : ذنب استحققتموها ؟ فـ { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } فلا إخلاص للمعبود ، [ ولا إحسان ] ولا نفع للخلق المحتاجين . { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } أي : نخوض بالباطل ، ونجادل به الحق ، { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } هذا آثار الخوض بالباطل ، [ وهو ] التكذيب بالحق ، ومن أحق الحق ، يوم الدين ، الذي هو محل الجزاء على الأعمال ، وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق . فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } أي : الموت ، فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل ، وانسّد في وجوههم باب الأمل ، { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم . فلما بين الله مآل المخالفين ، ورهب مما يفعل بهم ، عطف على الموجودين بالعتاب واللوم ، فقال : { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } أي : صادين غافلين عنها . { كَأَنَّهُمْ } في نفرتهم الشديدة منها { حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } أي : كأنهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضاً ، فزاد عدوها ، { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } أي : من صائد ورام يريدها ، أو من أسد ونحوه ، وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحق ، ومع هذا الإعراض وهذا النفور ، يدعون الدعاوى الكبار . فـ { يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } نازلة عليه من السماء ، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك ، وقد كذبوا ، فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق وتوضحه ، فلو كان فيهم خير لآمنوا ، ولهذا قال : { كَلاَّ } أن نعطيهم ما طلبوا ، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز ، { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } فلو كانوا يخافونها ، لما جرى منهم ما جرى . { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } الضمير إما أن يعود على هذه السورة ، أو على ما اشتملت عليه [ من ] هذه الموعظة ، { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } لأنه قد بين له السبيل ، ووضح له الدليل . { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فإن مشيئته نافذة عامة ، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير ، ففيها رد على القدرية ، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله ، والجبرية ، الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ، ولا فعل حقيقة ، وإنما هو مجبور على أفعاله ، فأثبت تعالى للعباد مشيئةً حقيقة وفعلاً ، وجعل ذلك تابعاً لمشيئته ، { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } أي : هو أهل أن يتقى ويعبد ، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه .