Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-49)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } أي : طائفة من الكفار تقاتلكم . { فَٱثْبُتُواْ } لقتالها ، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة ، التي عاقبتها العز والنصر . واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر اللّه { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } أي : تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم ، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في استعمال ما أمرا به ، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال . { وَلاَ تَنَازَعُواْ } تنازعاً يوجب تشتت القلوب وتفرقها ، { فَتَفْشَلُواْ } أي : تجبنوا { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي : تنحل عزائمكم ، وتفرق قوتكم ، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله . { وَٱصْبِرُوۤاْ } نفوسكم على طاعة اللّه { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } بالعون والنصر والتأييد ، واخشعوا لربكم واخضعوا له . { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه ، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم لقصد الأشر والبطر في الأرض ، وليراهم الناس ويفخروا لديهم . والمقصود الأعظم أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل اللّه من أراد سلوكه ، { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } فلذلك أخبركم بمقاصدهم ، وحذركم أن تشبهوا بهم ، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة . فليكن قصدكم في خروجكم وجه اللّه تعالى وإعلاء دين اللّه ، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط اللّه وعقابه ، وجذب الناس إلى سبيل اللّه القويم الموصل لجنات النعيم . { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } حسَّنها في قلوبهم وخدعهم . { وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه . { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته ، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم . فقال لهم الشيطان : أنا جار لكم ، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين . { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } المسلمون والكافرون ، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفاً شديداً و { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي : ولى مدبراً . { وَقَالَ } لمن خدعهم وغرهم : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } أي : أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم . { إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } أي : أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . ومن المحتمل أن يكون الشيطان ، قد سول لهم ، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، وأنه جار لهم ، فلما أوردهم مواردهم ، نكص عنهم ، وتبرأ منهم ، كما قال تعالى : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [ الحشر : 16 - 17 ] . { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي : شك وشبهة ، من ضعفاء الإيمان ، للمؤمنين حين أقدموا - مع قِلَّتهم - على قتال المشركين مع كثرتهم . { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } أي : أوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا يدان لهم بها ، ولا استطاعة لهم بها ، يقولونه احتقاراً لهم واستخفافاً لعقولهم ، وهم - واللّه - الأخِفَّاءُ عقولاً ، الضعفاء أحلاماً . فإن الإيمان يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها الجيوش العظام ، فإن المؤمن المتوكل على اللّه ، الذي يعلم أنه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لأحد إلا باللّه تعالى ، وأن الخلق لو اجتمعوا كلّهم على نفع شخص بمثقال ذرّة لم ينفعوه ، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه اللّه عليه ، وعلم أنه على الحق ، وأن اللّه تعالى حكيم رحيم في كل ما قدره وقضاه ، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من قوة وكثرة ، وكان واثقاً بربه ، مطمئن القلب لا فزعاً ولا جباناً ، ولهذا قال { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يغالب قوته قوة ، { حَكِيمٌ } فيما قضاه وأجراه .