Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-32)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } أي : حقاً إن هذه الموعظة تذكرة من الله ، يذكر بها عباده ، ويبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه ، ويبين الرشد من الغي ، فإذا تبين ذلك { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي : عمل به ، كقوله تعالى : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها ، فقال : { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ } القدر والرتبة { مُّطَهَّرَةٍ } [ من الآفاق و ] عن أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها ، بل هي { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } وهم الملائكة [ الذين هم ] السفراء بين الله وبين عباده ، { كِرَامٍ } أي : كثيري الخير والبركة ، { بَرَرَةٍ } قلوبهم وأعمالهم . وذلك كله حفظ من الله لكتابه ، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء ، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلاً ، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقِّيه بالقبول ، ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفوراً ، ولهذا قال تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } لنعمة الله ، وما أشد معاندته للحق بعدما تبين ، وهو ما هو ؟ هو من أضعف الأشياء ، خلقه الله من ماء مهين ، ثم قدر خلقه ، وسواه بشراً سوياً ، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة . { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } أي : يسر له الأسباب الدينية والدنيوية ، وهداه السبيل ، [ وبينه ] وامتحنه بالأمر والنهي ، { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } أي : أكرمه بالدفن ، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض ، { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } أي : بعثه بعد موته للجزاء ، فالله هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف ، لم يشاركه فيه مشارك ، وهو - مع هذا - لا يقوم بما أمره الله ، ولم يقض ما فرضه عليه ، بل لا يزال مقصراً تحت الطلب . ثم أرشده تعالى إلى النظر والتفكر في طعامه ، وكيف وصل إليه بعدما تكررت عليه طبقات عديدة ، ويسره له فقال : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } أي : أنزلنا المطر على الأرض بكثرة ، { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ } للنبات { شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا } أصنافاً مصنفة من أنواع الأطعمة اللذيذة ، والأقوات الشهية { حَبّاً } وهذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف أصنافها ، { وَعِنَباً وَقَضْباً } وهو القتّ ، { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } وخصّ هذه الأربعة لكثرة فوائدها ومنافعها . { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } أي : بساتين فيها الأشجار الكثيرة الملتفة ، { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } الفاكهة : ما يتفكه فيه الإنسان ، من تين وعنب وخوخ ورمان ، وغير ذلك . والأبّ : ما تأكله البهائم والأنعام ، ولهذا قال : { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } التي خلقها الله وسخرها لكم ، فمن نظر في هذه النعم أوجب له ذلك شكر ربه ، وبذل الجهد في الإنابة إليه ، والإقبال على طاعته ، والتصديق بأخباره .