Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-29)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم تعالى { بِٱلْخُنَّسِ } وهي الكواكب التي تخنس أي : تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة المشرق ، وهي النجوم السبعة السيارة : " الشمس " ، و " القمر " ، و " الزهرة " ، و " المشترى " ، و " المريخ " ، و " زحل " ، و " عطارد " ، فهذه السبعة لها سيران : سير إلى جهة المغرب مع باقي الكواكب والأفلاك ، وسير معاكس لهذا من جهة المشرق تختص به هذه السبعة دون غيرها . فأقسم الله بها في حال خنوسها أي : تأخرها ، وفي حال جريانها ، وفي حال كنوسها أي : استتارها بالنهار ، ويحتمل أن المراد بها جميع النجوم الكواكب السيارة وغيرها . { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أي : أدبر وقيل : أقبل ، { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي : بانت علائم الصبح ، وانشق النور شيئاً فشيئاً حتى يستكمل وتطلع الشمس ، وهذه آيات عظام ، أقسم الله بها على علو سند القرآن وجلالته ، وحفظه من كل شيطان رجيم ، فقال : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو جبريل عليه السلام ، نزل به من الله تعالى ، كما قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 192 - 194 ] . ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه ، وكثره خصاله الحميدة ، فإنه أفضل الملائكة ، وأعظمهم رتبة عند ربه ، { ذِي قُوَّةٍ } على ما أمره الله به . ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم فأهلكهم . { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ } أي : جبريل مقرب عند الله ، له منزلة رفيعة ، وخصيصة من الله اختصه بها ، { مَكِينٍ } أي : له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم . { مُّطَاعٍ ثَمَّ } أي : جبريل مطاع في الملأ الأعلى ، لديه من الملائكة المقربين جنودٌ ، نافذ فيهم أمره ، مطاع رأيه ، { أَمِينٍ } أي : ذو أمانة وقيام بما أمر به ، لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتعدى ما حُدَّ له ، وهذا [ كله ] يدل على شرف القرآن عند الله تعالى ، فإنه بعث به هذا الملك الكريم ، الموصوف بتلك الصفات الكاملة . والعادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها إلا في أهم المهمات ، وأشرف الرسائل . ولما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن ، ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن ، ودعا إليه الناس ، فقال : { وَمَا صَاحِبُكُمْ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { بِمَجْنُونٍ } كما يقوله أعداؤه المكذبون برسالته ، المتقولون عليه من الأقوال ، التي يريدون أن يُطفِؤوا بها ما جاء به ما شاؤوا وقدروا عليه ، بل هو أكمل الناس عقلاً ، وأجزلهم رأياً ، وأصدقهم لهجة . { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي : رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالأفق البيِّن ، الذي هو أعلى ما يلوح للبصر . { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : وما هو على ما أوحاه الله إليه بمتهم يزيد فيه أو ينقص أو يكتم بعضه ، بل هو صلى الله عليه وسلم أمين أهل السماء وأهل الأرض ، الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين ، فلم يشح بشيء منه ، عن غنِيٍّ ولا فقير ، ولا رئيس ولا مرؤوس ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا حضريٍّ ولا بدويٍّ ، ولذلك بعثه الله في أمة أمية ، جاهلة جهلاء ، فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين ، وأحباراً متفرسين ، إليهم الغاية في العلوم ، وإليهم المنتهى في استخراج الدقائق والفهوم ، وهم الأساتذة ، وغيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم . { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } لما ذكر جلالة كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين ، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما ، وأثنى الله عليهما بما أثنى ، دفع عنه كل آفة ونقص مما يقدح في صدقه ، فقال : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي : في غاية البعد عن الله وعن قربه ، { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } أي : كيف يخطر هذا ببالكم ، وأين عزبت عنكم أذهانكم ؟ حتى جعلتم الحق الذي هو في أعلى درجات الصدق بمنزلة الكذب ، الذي هو أنزل ما يكون [ وأرذل ] وأسفل الباطل ؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق . { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } يتذكرون به ربهم ، وما له من صفات الكمال ، وما ينزه عنه من النقائص والرذائل [ والأمثال ] ، ويتذكرون به الأوامر والنواهي وحكمها ، ويتذكرون به الأحكام القدرية والشرعية والجزائية ، وبالجملة ، يتذكرون به مصالح الدارين ، وينالون بالعمل به السعادتين . { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } بعدما تبين الرشد من الغي ، والهدى من الضلال . { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : فمشيئته نافذة ، لا يمكن أن تعارض أو تمانع . وفي هذه الآية وأمثالها ، ردٌّ على فرقتي القدرية النفاة ، والقدرية المجبرة كما تقدم مثلها [ والله أعلم والحمد لله ] .