Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-16)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامَّة ، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها ، فيجازون بأعمالهم ، ويتميزون [ إلى ] فريقين : فريقاً في الجنة ، وفريقاً في السعير . فأخبر عن وصف كلا الفريقين ، فقال في [ وصف ] أهل النار : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { خَاشِعَةٌ } من الذل والفضيحة والخزي . { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } أي : تاعبة في العذاب ، تُجرُّ على وجوهها ، وتغشى وجوههم النار . ويحتمل أن المراد [ بقوله : ] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل ، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان ، صار يوم القيامة هباءً منثوراً ، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحاً من حيث المعنى ، فلا يدل عليه سياق الكلام ، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول ، لأنه قيده بالظرف ، وهو يوم القيامة ، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عموماً ، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية ، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا . وقوله : { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } أي : شديداً حرها ، تحيط بهم من كل مكان ، { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي : حارة شديدة الحرارة { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [ الكهف : 29 ] فهذا شرابهم . وأما طعامهم فـ { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين : إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه ، وإما أن يسمن بدنه من الهزال ، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين ، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة ، نسأل الله العافية . وأما أهل الخير ، فوجوههم يوم القيامة { نَّاعِمَةٌ } أي : قد جرت عليهم نضرة النعيم ، فنضرت أبدانهم ، واستنارت وجوههم ، وسروا غاية السرور ، { لِّسَعْيِهَا } الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة ، والإحسان إلى عباد الله ، { رَاضِيَةٌ } إذ وجدت ثوابه مدخراً مضاعفاً ، فحمدت عقباه ، وحصل لها كل ما تتمناه ، وذلك أنها { فِي جَنَّةٍ } جامعة لأنواع النعيم كلها ، { عَالِيَةٍ } في محلها ومنازلها ، فمحلها في أعلى عليين ، ومنازلها مساكن عالية ، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة . { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [ الحاقة : 23 ] أي : كثيرة الفواكه اللذيذة ، المثمرة بالثمار الحسنة ، السهلة التناول ، بحيث ينالونها على أي حال كانوا ، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة ، أو يستعصي عليهم منها ثمرة . { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا } أي : الجنة { لاَغِيَةً } أي : كلمة لغو وباطل ، فضلاً عن الكلام المحرم ، بل كلامهم كلام حسن [ نافع ] مشتمل على ذكر الله تعالى ، وذكر نعمه المتواترة عليهم ، و [ على ] الآداب المستحسنة بين المتعاشرين ، الذي يسر القلوب ، ويشرح الصدور . { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } وهذا اسم جنس أي : فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاؤوا ، وأنَّى أرادوا . { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } و " السرر " جمع " سرير " ، وهي المجالس المرتفعة في ذاتها ، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة . { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } أي : أوانٍ ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة ، قد وضعت بين أيديهم ، وأعدت لهم ، وصارت تحت طلبهم واختيارهم ، يطوف بها عليهم الولدان المخلدون . { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } أي : وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله ، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها ، وقد أريحوا عن أن يضعوها ، و يَصُفُّوها بأنفسهم . { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } والزرابي [ هي : ] البسط الحسان ، مبثوثة أي : مملوءة بها مجالسهم من كل جانب .