Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 29-29)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } إيماناً صحيحاً يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم . ولا يحرمون ما حرّم الله ، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات ، { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } أي : لا يدينون بالدين الصحيح ، وإن زعموا أنهم على دين ، فإنه دين غير الحق ، لأنه إما بين دين مبدل ، وهو الذي لم يشرعه اللّه أصلاً ، وإما دين منسوخ قد شرعه اللّه ، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز . فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك ، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه ، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس ، بسبب أنهم أهل كتاب . وغيَّى ذلك القتال { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } أي : المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم ، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم بين أظهر المسلمين ، يؤخذ منهم كل عام ، كلٌّ على حسب حاله ، من غني وفقير ومتوسط ، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره من أمراء المؤمنين . وقوله : { عَن يَدٍ } أي : حتى يبذلوها في حال ذلهم ، وعدم اقتدارهم ، ويعطونها بأيديهم ، فلا يرسلون بها خادماً ولا غيره ، بل لا تقبل إلا من أيديهم ، { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فإذا كانوا بهذه الحال ، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية ، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم ، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم ، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم ، ويوجب ذلهم وصغارهم ، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم . وإلا بأن لم يفوا ، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، لم يجز إقرارهم بالجزية ، بل يقاتلون حتى يسلموا . واستدل بهذه الآية الجمهور الذين يقولون : لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، لأن اللّه لم يذكر أخذ الجزية إلا منهم . وأما غيرهم فلم يذكر إلا قتالهم حتى يسلموا ، وألحق بأهل الكتاب في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين ، المجوس ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ، ثم أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس . وقيل : إن الجزية تؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ، لأن هذه الآية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين ، والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم ، فيكون هذا القيد إخباراً بالواقع ، لا مفهوم له . ويدل على هذا أن المجوس أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب ، ولأنه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يدعون من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث : إما الإسلام ، أو أداء الجزية ، أو السيف ، من غير فرق بين كِتَابِيٍّ وغيره .