Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-33)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب ، ذكر من أقوالهم الخبيثة ، ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم ، والاجتهاد وبذل الوسع فيه فقال : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم ، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرؤوا فيها على اللّه ، وتنقصوا عظمته وجلاله . وقد قيل : إن سبب ادعائهم في " عزير " أنه ابن اللّه ، أنه لما سلط الله الملوك على بني إسرائيل ، ومزقوهم كل ممزق ، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة ، وجدوا عزيراً بعد ذلك حافظاً لها أو لأكثرها ، فأملاها عليهم من حفظه ، واستنسخوها ، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة . { وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ } عيسى ابن مريم { ٱبْنُ ٱللَّهِ } قال اللّه تعالى { ذٰلِكَ } القول الذي قالوه { قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } لم يقيموا عليه حجة ولا برهاناً . ومن كان لا يبالي بما يقول ، لا يستغرب عليه أي قول يقوله ، فإنه لا دين ولا عقل يحجزه عما يريد من الكلام . ولهذا قال : { يُضَاهِئُونَ } أي : يشابهون في قولهم هذا { قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي : قول المشركين الذين يقولون : " الملائكة بنات اللّه " تشابهت قلوبهم ، فتشابهت أقوالهم في البطلان . { قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون على الحق الصرف الواضح المبين ، إلى القول الباطل المبين . وهذا - وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة أن تتفق على قول - يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه ، فإن لذلك سبباً وهو أنهم : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ } وهم علماؤهم { وَرُهْبَانَهُمْ } أي : العُبَّاد المتجردين للعبادة . { أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه ، ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه ، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها . وكانوا أيضاً يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم ، ويتخذون قبورهم أوثاناً تعبد من دون اللّه ، وتقصد بالذبائح والدعاء والاستغاثة . { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } اتخذوه إلهاً من دون اللّه ، والحال أنهم خالفوا في ذلك أمر اللّه لهم على ألسنة رسله فما { أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فيخلصون له العبادة والطاعة ، ويخصونه بالمحبة والدعاء ، فنبذوا أمر اللّه وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً . { سُبْحَانَهُ } وتعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزه وتقدس ، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم ، فإنهم ينتقصونه في ذلك ، ويصفونه بما لا يليق بجلاله ، واللّه تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه ، مما ينافي كماله المقدس . فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه ، ولا برهان لما أصَّلوه ، وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه أخبر أنهم { يُرِيدُونَ } بهذا { أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } . ونور اللّه : دينه الذي أرسل به الرسل ، وأنزل به الكتب ، وسماه اللّه نوراً ، لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة ، فإنه علم بالحق ، وعمل بالحق ، وما عداه فإنه بضده ، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين ، يريدون أن يطفؤوا نور اللّه بمجرد أقوالهم ، التي ليس عليها دليل أصلاً . { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } لأنه النور الباهر ، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه ، والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده ، وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء ، ولهذا قال : { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله ، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئاً . ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } الذي هو العلم النافع { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمداً صلى الله عليه وسلم مشتملاً على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله ، وفي أحكامه وأخباره ، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب ، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين للّه وحده ، ومحبة اللّه وعبادته ، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، والأعمال الصالحة والآداب النافعة ، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة . فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } أي : ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، وإن كره المشركون ذلك ، وبغوا له الغوائل ، ومكروا مكرهم ، فإن المكر السيِّئ لا يضر إلا صاحبه ، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه ، وما ضمنه لا بد أن يقوم به .