Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : إلا تنصروا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فاللّه غني عنكم ، لا تضرونه شيئاً ، فقد نصره في أقل ما يكون وأذلة { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من مكة لما هموا بقتله ، وسعوا في ذلك ، وحرصوا أشد الحرص ، فألجؤوه إلى أن يخرج . { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أي : هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } أي : لما هربا من مكة ، لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة ، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب . فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة ، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما ، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال . { إِذْ يَقُولُ } النبي صلى الله عليه وسلم { لِصَاحِبِهِ } أبي بكر لما حزن واشتد قلقه ، { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } بعونه ونصره وتأييده . { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي : الثبات والطمأنينة والسكون المثبتة للفؤاد ، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } . { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } وهي الملائكة الكرام ، الذين جعلهم اللّه حرساً له ، { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } أي : الساقطة المخذولة ، فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين ، في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه ، حنقين عليه ، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك ، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم ، بل ولا أدركوا شيئاً منه . ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه ، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع ، فإن النصر على قسمين : نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا ، وقصدوا ، ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم . والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر ، فنصر اللّه إياه ، أن يرد عنه عدوه ، ويدافع عنه ، ولعل هذا النصر أنفع النصرين ، ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع . وقوله { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } أي كلماته القدرية وكلماته الدينية ، هي العالية على كلمة غيره ، التي من جملتها قوله : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [ غافر : 51 ] { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان ، بالحجج الواضحة ، والآيات الباهرة والسلطان الناصر . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب ، ولا يفوته هارب ، { حَكِيمٌ } يضع الأشياء مواضعها ، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر اقتضته الحكمة الإلهية . وفي هذه الآية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة ، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة ، والصحبة الجميلة ، وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة ، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كافراً ، لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها . وفيها فضيلة السكينة ، وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش بها الأفئدة ، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه ، وثقته بوعده الصادق ، وبحسب إيمانه وشجاعته . وفيها : أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين ، مع أن الأولى - إذا نزل بالعبد - أن يسعى في ذهابه عنه ، فإنه مضعف للقلب ، موهن للعزيمة .