Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 64-66)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كانت هذه السورة الكريمة تسمى " الفاضحة " لأنها بينت أسرار المنافقين ، وهتكت أستارهم ، فما زال اللّه يقول : ومنهم ومنهم ، ويذكر أوصافهم ، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين : إحداهما : أن اللّه سِتِّيرٌ يحب الستر على عباده . والثانية : أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين ، الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة ، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب ، حتى خافوا غاية الخوف . قال اللّه تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 60 - 61 ] . وقال هنا { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } أي تخبرهم وتفضحهم ، وتبين أسرارهم ، حتى تكون علانية لعباده ، ويكونوا عبرة للمعتبرين . { قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ } أي : استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية . { إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } وقد وفَّى تعالى بوعده ، فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت أستارهم . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم ، يقول طائفة منهم في غزوة تبوك " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - أرغب بطوناً ، [ وأكذب ألسنا ] وأجبن عند اللقاء " ونحو ذلك . ولما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم ، جاؤوا يعتذرون إليه ويقولون { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ، ولا قصدنا الطعن والعيب . قال اللّه تعالى - مبيناً عدم عذرهم وكذبهم في ذلك - : { قُلْ } لهم { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه ، وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ، ومناقض له أشد المناقضة . ولهذا لما جاؤوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة ، والرسول لا يزيدهم على قوله : { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . وقوله : { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } لتوبتهم واستغفارهم وندمهم ، { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } منكم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُواْ مُجْرِمِينَ } مقيمين على كفرهم ونفاقهم . وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة ، خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه ، ويستهزئ به وبآياته ورسوله ، فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ، ويعاقبه أشد العقوبة . وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنّة رسوله الثابتة عنه ، أو سخر بذلك ، أو تنقصه ، أو استهزأ بالرسول أو تنقصه ، فإنه كافر باللّه العظيم ، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيماً .