Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 94-96)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تخلف المنافقين الأغنياء ، وأنهم لا عذر لهم ، أخبر أنهم سـ { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } من غزاتكم . { قُل } لهم { لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } أي : لن نصدقكم في اعتذاركم الكاذب . { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } وهو الصادق في قيله ، فلم يبق للاعتذار فائدة ، لأنهم يعتذرون بخلاف ما أخبر اللّه عنهم ، ومحال أن يكونوا صادقين فيما يخالف خبر اللّه الذي هو أعلى مراتب الصدق . { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } في الدنيا ، لأن العمل هو ميزان الصدق من الكذب ، وأما مجرد الأقوال ، فلا دلالة فيها على شيء من ذلك . { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } الذي لا تخفى عليه خافية ، { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر ، ويجازيكم بعدله أو بفضله ، من غير أن يظلمكم مثقال ذرة . وأعلم أن المسيء المذنب له ثلاث حالات : إما [ أن ] يقبل قوله وعذره ، ظاهراً وباطناً ، ويعفى عنه بحيث يبقى كأنه لم يذنب . فهذه الحالة هي المذكورة هنا في حقِّ المنافقين ، أن عذرهم غير مقبول ، وأنه قد تقررت أحوالهم الخبيثة وأعمالهم السيئة ، وإما أن يعاقبوا بالعقوبة والتعزير الفعلي على ذنبهم ، وإما أن يعرض عنهم ، ولا يقابلوا بما فعلوا بالعقوبة الفعلية ، وهذه الحال الثالثة هي التي أمر اللّه بها في حق المنافقين ، ولهذا قال : { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } أي : لا توبخوهم ، ولا تجلدوهم أو تقتلوهم . { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } أي : إنهم قذر خبثاء ، ليسوا بأهل لأن يبالى بهم ، وليس التوبيخ والعقوبة مفيداً فيهم ، { وَ } تكفيهم عقوبة جهنم جزاء بما كانوا يكسبون . وقوله : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } أي : ولهم أيضاً هذا المقصد الآخر منكم ، غير مجرد الإعراض ، بل يحبون أن ترضوا عنهم ، كأنهم ما فعلوا شيئاً . { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : فلا ينبغي لكم - أيها المؤمنون - أن ترضوا عن من لم يرض اللّه عنه ، بل عليكم أن توافقوا ربكم في رضاه وغضبه . وتأمل كيف قال : { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } ولم يقل : " فإن اللّه لا يرضى عنهم " ليدل ذلك على أن باب التوبة مفتوح ، وأنهم مهما تابوا هم أو غيرهم ، فإن اللّه يتوب عليهم ، ويرضى عنهم . وأما ما داموا فاسقين ، فإن اللّه لا يرضى عليهم ، لوجود المانع من رضاه ، وهو خروجهم عن ما رضيه اللّه لهم من الإيمان والطاعة ، إلى ما يغضبه من الشرك والنفاق والمعاصي . وحاصل ما ذكره اللّه أن المنافقين المتخلفين عن الجهاد من غير عذر ، إذا اعتذروا للمؤمنين ، وزعموا أن لهم أعذاراً في تخلفهم ، فإن المنافقين يريدون بذلك أن تعرضوا عنهم ، وترضوا وتقبلوا عذرهم ، فأما قبول العذر منهم والرضا عنهم ، فلا حباً ولا كرامة لهم . وأما الإعراض عنهم ، فيعرض المؤمنون عنهم ، إعراضهم عن الأمور الردية والرجس ، وفي هذه الآيات ، إثبات الكلام للّه تعالى في قوله : { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } وإثبات الأفعال الاختيارية للّه ، الواقعة بمشيئته [ تعالى ] وقدرته في هذا ، وفي قوله : { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } أخبر أنه سيراه بعد وقوعه ، وفيها إثبات الرضا للّه عن المحسنين ، والغضب والسخط على الفاسقين .