Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 97-99)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { ٱلأَعْرَابُ } وهم سكان البادية والبراري { أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق ، وذلك لأسباب كثيرة : منها : أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام ، فهم أحرى { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي ، بخلاف الحاضرة ، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، فيحدث لهم - بسبب هذا العلم - تصورات حسنة ، وإرادات للخير ، الذي يعلمون ، ما لا يكون في البادية . وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية ، ويجالسون أهل الإيمان ، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية ، فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية ، وإن كان في البادية والحاضرة ، كفار ومنافقون ، ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة . ومن ذلك أن الأعراب أحرص على الأموال ، وأشح فيها . فمنهم { مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } من الزكاة والنفقة في سبيل اللّه وغير ذلك ، { مَغْرَماً } أي : يراها خسارة ونقصاً ، لا يحتسب فيها ، ولا يريد بها وجه اللّه ، ولا يكاد يؤديها إلا كرهاً . { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي : من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم ، أنهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر ، وفجائع الزمان ، وهذا سينعكس عليهم ، فعليهم دائرة السوء . وأما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على أعدائهم ، ولهم العقبى الحسنة ، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يعلم نيات العباد ، وما صدرت عنه الأعمال من إخلاص وغيره . وليس الأعراب كلهم مذمومين ، بل منهم { مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فيسلم بذلك من الكفر والنفاق ويعمل بمقتضى الإيمان . { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ } أي : يحتسب نفقته ، ويقصد بها وجه اللّه تعالى والقرب منه { وَ } يجعلها وسيلة لـ { صَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } أي : دعائه لهم ، وتبريكه عليهم ، قال تعالى مبيناً لنفع صلوات الرسول : { أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } تقربهم إلى اللّه ، وتنمي أموالهم وتحل فيها البركة . { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } في جملة عباده الصالحين إنه غفور رحيم ، فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب إليه ، ويعم عباده برحمته ، التي وسعت كل شيء ، ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها إلى الخيرات ، ويحميهم فيها من المخالفات ، ويجزل لهم فيها أنواع المثوبات . وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة ، منهم الممدوح ومنهم المذموم ، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم ، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه ، وأنهم في مظنة ذلك . ومنها : أن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الأحوال . ومنها : فضيلة العلم ، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه ، لأن اللّه ذم الأعراب ، وأخبر أنهم أشد كفراً ونفاقاً ، وذكر السبب الموجب لذلك ، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله . ومنها : أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم ، معرفة حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، من أصول الدين وفروعه ، كمعرفة حدود الإيمان ، والإسلام ، والإحسان ، والتقوى ، والفلاح ، والطاعة ، والبر ، والصلة ، والإحسان ، والكفر ، والنفاق ، والفسوق ، والعصيان ، والزنا ، والخمر ، والربا ، ونحو ذلك . فإن في معرفتها يتمكن من فعلها - إن كانت مأمور بها ، أو تركها إن كانت محظورة - ومن الأمر بها أو النهي عنها . ومنها : أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق ، منشرح الصدر ، مطمئن النفس ، ويحرص أن تكون مغنماً ، ولا تكون مغرماً .