Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 71-71)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَامْرأتُهُ } سارّة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فـالغ ، وهي ابنة عم إبراهيـم . { قائمَةٌ } قـيـل : كانت قائمة من وراء الستر تستـمع كلام الرسل وكلام إبراهيـم علـيه السلام . وقـيـل : كانت قائمة تـخدم الرسل وإبراهيـم جالس مع الرسل . وقوله : { فَضَحِكَتْ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله { فَضَحِكَتْ } وفـي السبب الذي من أجله ضحكت ، فقال بعضهم : ضحكت الضحك الـمعروف تعجبـاً من أنها وزوجها إبراهيـم يخدمان ضيفـانهم بأنفسهما تكرمة لهم ، وهم عن طعامهم مـمسكون لا يأكلون . ذكر من قال ذلك : حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : بعث الله الـملائكة لتهلك قوم لوط أقبلت تـمشي فـي صورة رجال شبـاب ، حتـى نزلوا علـى إبراهيـم فتضيّفوه . فلـما رآهم إبراهيـم أجلّهم فراغَ إلـى أهله ، فجاء بعجل سمين ، فذبحه ثم شواه فـي الرَّضْف ، فهو الـحنـيذ حين شواه . وأتاهم فقعد معهم ، وقامت سارَة تـخدمهم ، فذلك حين يقول : { وَامْرأتُهُ قائمَةٌ } وهو جالس . فـي قراءة ابن مسعود « فلـما قرّبه إلـيهم قال ألا تأكلون » قالوا : يا إبراهيـم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن قال : فإن لهذا ثمناً . قالوا : وما ثمنه ؟ قال : تذكرون اسم الله علـى أوّله وتـحمدونه علـى آخره . فنظر جبرئيـل إلـى ميكائيـل فقال : حقّ لهذا أن يتـخذه ربه خـلـيلاً . { فَلَـمَّا رَأى أيْدَيهُمْ لا تَصِلُ إلَـيْهِ } يقول : لا يأكلون ، فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلـما نظرت إلـيه سارّة أنه قد أكرمهم وقامت هي تـخدمهم ، ضحكت وقالت : عجبـاً لأضيافنا هؤلاء ، إنا نـخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا . وقال آخرون : بل ضحكت من أن قوم لوط فـي غفلة وقد جاءت رسل الله لهلاكهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لـما أوجس إبراهيـم خيفة فـي نفسه حدّثوه عند ذلك بـما جاءوا فـيه ، فضحكت امرأته وعجِبت من أن قوماً أتاهم العذاب وهم فـي غفلة ، فضحكت من ذلك وعجبت ، فبشرناها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أنه قال : ضحكت تعجبـاً مـما فـيه قوم لوط من الغفلة ومـما أتاهم من العذاب . وقال آخرون : بل ضحكت ظناً منها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو معشر ، عن مـحمد بن قـيس ، فـي قوله : { وامرأتهُ قائمَةٌ فَضَحكَتْ } قال : لـما جاءت الـملائكة ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط . وقال آخرون : بل ضحكت لِـمَا رأت بزوجها إبراهيـم من الرَّوع . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبـي : { فضَحِكَتْ } قال : ضحكت حينَ راعُوا إبراهيـم مـما رأت من الرَّوع بإبراهيـم . وقال آخرون : بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبـا من أن يكون لها ولد علـى كِبَر سنها وسنّ زوجها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول : لـما أتـى الـملائكة إبراهيـم علـيه السلام فرآهم ، راعه هيئتهم وجمالهم ، فسلـموا علـيه ، وجلسوا إلـيه ، فقام فأمر بعجل سمين ، فحنذ له ، فقرّ إلـيهم الطعام . فلـما رأى أيديهم لا تصل إلـيه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، وسارَة وراء البـيت تسمع قالوا : لا تـخف إنا نبشرك بغلام حلـيـم مبـارك وبشَّر به امرأته سارة ، فضحكت وعجبت كيف يكون لـي ولد وأنا عجوز وهو شيخ كبـير فقالوا : أتعجبـين من أمر الله ؟ فإنه قادر علـى ما يشاء ، فقد وهبه الله لكم فأبشروا به وقد قال بعض من كان يتأوّل هذا التأويـل : إن هذا من الـمقدّم الذي معناه التأخير ، وكأن معنى الكلام عنده : وامرأته قائمة ، فبشَّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فضحكت وقالت : يا ويـلتا أألد وأنا عجوز . وقال آخرون : بل معنى قوله : « فضحكت » فـي هذا الـموضع : فحاضت . ذكر من قال ذلك : حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي ، قال : ثنا بقـية بن الولـيد ، عن علـيّ بن هارون ، عن عمرو بن الأزهر ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فَضَحِكَتْ } قال : حاضت ، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة . قال : وكان إبراهيـم ابن مئة سنة . وقال آخرون : بل ضحكت سروراً بـالأمن منهم لـما قالوا لإبراهيـم : لا تـخف ، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضاً كما خافهم إبراهيـم فلـما أمنت ضحكت ، فأتبعوها البشارة بإسحاق . وقد كان بعض أهل العربـية من الكوفـيـين يزعم أنه لـم يسمع ضحكت بـمعنى حاضت من ثقة . وذكر بعض أهل العربـية من البصريـين أن بعض أهل الـحجاز أخبره عن بعضهم أن العرب تقول ضحكت الـمرأة : حاضت ، قال : وقد قال : الضحك : الـحيض ، وقد قال بعضهم : الضحك : العجب ، وذكر بـيت أبـي ذؤيب @ فجاءَ بِـمَزْجٍ لَـمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ هُوَ الضَّحْكُ إلاَّ أنَّهُ عَمَلُ النَّـحْلِ @@ وذكر أن بعض أصحابه أنشده فـي الضحك بـمعنى الـحيض : @ وَضَحْكُ الأرَانِبِ فَوْقَ الصَّفـا كمِثْلِ دَمِ الـجَوْفِ يَوْمَ اللِّقا @@ قال : وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكُمَيت : @ فأضْحَكَتِ الضبِّـاعَ سيُوفُ سَعْدٍ بقَتْلَـى ما دُفِنَّ وَلا وُدِينا @@ وقال : يريد الـحيض . قال : وبـالـحرث بن كعب يقولون : ضحكت النـخـلة : إذا أخرجت الطلع أو البسر . وقالوا : الضحك : الطلع . قال : وسمعنا من يحكي : أضحكت حوضاً : أي ملأته حتـى فـاض . قال : وكأنّ الـمعنى قريب بعضه من بعض كله ، لأنه كأنه شيء يـمتلـىء فـيفـيض . وأولـى الأقوال التـي ذكرت فـي ذلك بـالصواب قول من قال : معنى قوله : « فضحكت » : فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلته عنه . وإنـما قُلْنا هذا القول أولـى بـالصواب لأنه ذكر عقـيب قولهم لإبراهيـم : لا تـخف إنا أرسلنا إلـى قوم لوط . فإذْ كان ذلك كذلك ، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيـم : لا تـخف ، كان الضحك والتعجب إنـما هو من أمر قوم لوط … يقول تعالـى ذكره : فبشَّرنا سارة امرأة إبراهيـم ثوابـاً منا لها علـى نكيرها وعجبها من فعل قوم لوط بإسحاق ولداً لها . { ومِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ } يقول : ومن خـلف إسحاق يعقوب من ابنهاإسحاق . والوراء فـي كلام العرب : ولد الولد ، وكذلك تأوّله أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، قال : { وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } قال : الوراء : ولد الولد . حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى ، قال كل واحد منهما : حدثنـي أبو الـيسع إسماعيـل بن حماد بن أبـي الـمغيرة مولـى الأشعري ، قال : كنت إلـى جنب جدي أبـي الـمغيرة بن مهران فـي مسجد علـيّ بن زيد ، فمرّ بنا الـحسن بن أبـي الـحسن ، فقال : يا أبـا الـمغيرة من هذا الفتـى ؟ قال : ابنـي من ورائي ، فقال الـحسن : { فَبَشَّرناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } . حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى ، قالا : ثنا مـحمد بن أبـي عديّ ، قال : ثنا داود بن أبـي هند ، عن الشعبـي ، فـي قوله : { فَبَشَّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } قال : ولد الولد هو الوراء . حدثنـي إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، فـي قوله : { وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } قال : الوراء : ولد الولد . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، عن داود ، عن الشعبـيّ ، مثله . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو عمرو الأزدي ، قال : سمعت الشعبـيّ يقول : ولد الولد : هم الولد من الوراء . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفـيان ، عن حبـيب بن أبـي ثابت ، قال : جاء رجل إلـى ابن عبـاس ومعه ابن ابنه ، فقال : من هذا معك ؟ قال : هذا ابنـي ، قال : هذا ولدك من الوراء . قال : فكأنه شقّ علـى ذلك الرجل ، فقال ابن عبـاس : إن الله يقول : { فَبَشَّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } فولد الولد : هم الوراء . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما ضحكت سارّة وقالت : عجبـا لأضيافنا هؤلاء ، إنا نـخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا قال لها جبريـل : أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب . فضربت وجهها عجبـاً ، فذلك قوله : { فَصكَّتْ وَجْهَها } وقالت : { أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلـى شَيْخاً إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أتَعْجَبـينَ منْ أمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ إنَّهُ حَميدٌ مَـجِيدٌ } قالت سارّة : ما آية ذلك ؟ قال : فأخذ بـيده عوداً يابساً فلواه بـين أصابعه ، فـاهتزّ أخضر ، فقال إبراهيـم : هو لله إذا ذبـيحا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فضحكت يعنـي سارّة لـما عرفت من أمر الله جلّ ثناؤه ولـما تعلـم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يقعوب بـابن وبـابن ابن ، فقالت وصكَّت وجهها يقال : ضربت علـى جبـينها : { يا وَيْـلَتا ءألِدُ وأنا عَجُوز } … إلـى قوله : { إنَّهُ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ } واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء العراق والـحجاز : « ومِنْ وَرَاءِ إسحاقَ يَعْقُوبُ » برفع « يعقوب » ، ويعيد ابتداء الكلام بقوله . { وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } . وذلك وإن كان خبراً مبتدأ ، ففـيه دلالة علـى معنى التبشير . وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشأم : { وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ } نصبـاً فأما الشامي منهما فذكر أنه كان ينـحو بـيعقوب نـحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة ، كأنه قال : ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب ، فلـما لـم يظهر « وهبنا » عمل فـيه التبشير وعطف به علـى موضع « إسحاق » ، إذ كان إسحاق وإن كان مخفوضاً فإنه بـمعنى الـمنصوب بعمل « بشرنا » فـيه ، كما قال الشاعر : @ جِئْنِـي بِـمِثْلِ بنـي بَدْرٍ لقَومِهِمِ أوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْطُورِ بنِ سَيَّارِ أوْ عامِرِ بْنِ طُفَـيْـلٍ فـي مُرَكَّبهِ أوْ حارِثاً يَوْمَ نادَى القَوْمُ يا حارِ @@ وأما الكوفـيّ منهما فإنه قرأه بتأويـل الـخفض فـيـما ذُكِر عنه ، غير أنه نصبه لأنه لا يُجْرَى . وقد أنكر ذلك أهل العلـم بـالعربـية من أجل دخول الصفة بـين حرف العطف والاسم ، وقالوا : خَطأ أن يقال : مررت بعمرو فـي الدار وفـي الدار زيد ، وأنت عاطف بزيد علـى عمرو ، إلا بتكرير البـاء وإعادتها ، فإن لـم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع وجاز النصب ، فإن قدم الاسم علـى الصفة جاز حينئذ الـخفض ، وذلك إذا قلت : مررت بعمرو فـي الدار وزيد فـي البـيت . وقد أجاز الـخفض والصفة معترضة بـين حرف العطف والاسم بعض نـحويـي البصرة . وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه رفعاً ، لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من كلام العرب ، والذي لا يتناكره أهل العلـم بـالعربـية ، وما علـيه قراءة الأمصار . فأما النصب فـيه فإن له وجهاً ، غير أنـي لا أحبّ القراءة به ، لأن كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب ، والذي هو أولـى بـالعلـم بـالذي نزل به من الفصاحة .