Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : الله يا مـحمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها ، فجعلها للأرض سقـفـاً مسموكاً . والعمد جمع عمود ، وهي السواري ، وما يُعْمد به البناء ، كما قال النابغة : @ وخَيِّسُ الـجِنَّ إنّـي قدْ أذِنْتُ لهُمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بـالصُّفَّـاح والعَمَدِ @@ وجمع العمود : عَمَد ، كما جمع الأديـم : أَدَم ، ولو جمع بـالضم فقـيـل : عُمُد جاز ، كما يجمع الرسول : رُسُل ، والشَّكُور : شُكُر . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } فقال بعضهم : تأويـل ذلك : الله الذي رفع السموات بعمَد لا ترونها . ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن هشام ، قال : ثنا معاذ بن معاذ ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن عكرمة ، قال : قلت لابن عبـاس : إن فلاناً يقول : إنها علـى عَمَد ، يعنـي السماء ؟ قال : فقال : اقرأها « بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها » : أي لا ترونها . حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح ، قال : ثنا معاذ بن معاذ ، عن عمران بن حُدَير ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، مثله . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا عفـان ، قال : ثنا حماد ، قال : ثنا حميد ، عن الـحسن بن مسلـم ، عن مـجاهد ، قوله : { بغَيُرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال : بعمد لا ترونها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج ، قال : ثنا حماد ، عن حميد ، عن الـحسن بن مسلـم ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوَنْهَا } قال : هي لا ترونها . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد بغير عمد يقول : عمد . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الـحسن وقتادة ، قوله : { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال قتادة : قال ابن عبـاس : بعَمَد ولكن لا ترونها . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال : ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها ؟ ومن تأوّل ذلك كذلك ، قصد مذهب تقديـم العرب الـجحد من آخر الكلام إلـى أوّله ، كقول الشاعر : @ ولا أرَاها تَزَالُ ظالِـمَةً تُـحْدِثُ لـي نَكْبَةً وتَنْكَؤُها @@ يريد : أراها لا تزال ظالـمة ، فقدم الـجحد عن موضعه من تزال ، وكما قال الآخر : @ إذَا أعْجَبَتْكَ الدَّهْر حالٌ منِ امْرِىءٍ فَدَعْهِ وَوَاكِلْ حالَهُ واللَّـيالِـيا يَجِئْنَ علـى ما كانَ مِنْ صَالِـحٍ بِهِ وإنْ كانَ فِيما لا تَرَى النَّاسُ آلِيا @@ يعنـي : وإن كان فـيـما يرى الناس لا يألو . وقال آخرون : بل هي مرفوعة بغير عمد . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـيّ ، قال : أخبرنا آدم ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن إياس بن معاوية ، فـي قوله : { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال : السماء مقببة علـى الأرض مثل القبة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال : رفعها بغير عمد . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال كما قال الله تعالـى : { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } فهي مرفوعة بغير عمد نراها ، كما قال ربنا جلّ ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك ، ولا حجة يجب التسلـيـم لها بقول سواه . وأما قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى علـى العَرْشِ } فإنه يعنـي : علا علـيه . وقد بـيَّنا معنى الاستواء واختلاف الـمختلفـين فـيه والصحيح من القول فـيـما قالوا فـيه بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقوله : { وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ } يقول : وأجرى الشمس والقمر فـي السماء ، فسخرهما فـيها لـمصالـح خـلقه ، وذللهما لـمنافعهم ، لـيعلـموا بجريهما فـيها عدد السنـين والـحساب ، ويفصلوا به بـين اللـيـل والنهار . وقوله : { كُلّ يَجْرِي لأَجَل مسَمًّى } يقول جلّ ثناؤه : كل ذلك يجري فـي السماء لأجل مسمى : أي لوقت معلوم ، وذلك إلـى فناء الدنـيا وقـيام القـيامة التـي عندها تكوّر الشمس ، ويُخسف القمر وتنكدر النـجوم وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه ، وأنّ « كلٌّ » لا بدّ لها من إضافة إلـى ما تـحيط به . وبنـحو الذي قلنا فـي قوله { لأَجَل مُسَمًّى } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمًّى } قال : الدنـيا . وقوله : { يُدَبِّرُ الأمْرَ } يقول تعالـى ذكره : يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمور الدنـيا والآخرة كلها ، ويدبر ذلك كله وحده ، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سبحانه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { يُدَبِّرُ الأمْرَ } يقضيه وحده . قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، بنـحوه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، بنـحوه . وقوله : { يُفَصّلُ الآياتِ } يقول : يفصل لكم ربكم آيات كتابه ، فـيبـينها لكم احتـجاجاً بها علـيكم أيها الناس ، { لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } يقول : لتوقنوا بلقاء الله ، والـمعاد إلـيه ، فتصدّقوا بوعده ووعيده ، وتنزجروا عن عبـادة الآلهة والأوثان ، وتـخـلصوا له العبـادة إذا تـيقنتـم ذلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } وأن الله تبـارك وتعالـى إنـما أنزل كتابه ، وأرسل رسله لنؤمن بوعده ، ونستـيقن بلقائه .