Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 16-17)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول عزّ ذكره : { مِنْ وَرَائِهِ } من أمام كلّ جبـار { جَهَنَّمُ } يردونها . ووراء فـي هذا الـموضع : يعنـي أمام ، كما يقال : إن الـموت من ورائك : أي قدامك ، وكما قال الشاعر : @ أتُوعِدُنـي وَرَاءَ بَنِـي رِياحٍ كَذَبْتَ لَتَقْصُرَّنَّ يَداكَ دُونِـي @@ يعنـي وراء بنـي رياح : قدّام بنـي رياح وأمامهم . وكان بعض نـحويـيّ أهل البصرة يقول : إنـما يعنـي بقوله : { مِنْ وَرَائِهِ } أي من أمامه ، لأنه وراء ما هو فـيه ، كما يقول لك : وكلّ هذا من ورائك : أي سيأتـي علـيك ، وهو من وراء ما أنت فـيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه . وقال : { وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلَّ سَفِـينَةٍ غَصْبـاً } من هذا الـمعنى : أي كان وراءَ ما هم فـي أمامَهم . وكان بعض نـحويّـي أهل الكوفة يقول : أكثر ما يجوز هذا فـي الأوقات ، لأن الوقت يـمرّ علـيك فـيصير خـلفك إذا جُزته ، وكذلك كان وراءهم ملك ، لأنهم يجوزونه فـيصير وراءهم . وكان بعضهم يقول : هو من حروف الأضداد ، يعنـي وراء يكون قداماً وخـلفـاً . وقوله : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } يقول : ويُسقـى من ماء ، ثم بـين ذلك الـماء جلّ ثناؤه وما هو ، فقال : هو صديد ولذلك ردّ الصديد فـي إعرابه علـى الـماء ، لأنه بـيان عنه ، والصديد : هو القـيح والدم . وكذلك تأوّله أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء « ح » وحدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } قال : قـيح ودم . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } والصديد : ما يسيـل من دمه ولـحمه وجلده . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } قال : ما يسيـل من بـين لـحمه وجلده . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، عمن ذكره ، عن الضحاك : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } قال : يعنـي بـالصديد : ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القـيْحَ والدم . وقوله : { يَتَـجَرَّعُهُ } يتـحسَّاه ، { وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ } يقول : ولا يكاد يزدرده من شدّة كراهته ، وهو يسيغه من شدّة العطش . والعرب تـجعل « لا يكاد » فـيـما قد فُعِل ، وفـيـما لـم يفعل . فأما ما قد فعل فمنه هذا ، لأن الله جلّ ثناؤه جعل لهم ذلك شرابـاً وأما ما لـم يُفْعل وقد دخـلت فـيه « كاد » فقوله : { حتـى إذَا أخرْجَ يَدَهُ لَـمْ يَكَدْ يَرَاها } فهو لا يراها . وبنـحو ما قلنا من أن معنى قوله : { وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ } وهو يسيغه ، جاء الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك : حدثنـي مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا إبراهيـم أبو إسحاق الطالَقانـيّ ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبـيد الله بن بسر ، عن أبـي أمامة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي قوله : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَـجَرَّعُهُ } : " فإذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أمْعاءَهُ حتـى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ " يقول الله عزّ وجلّ : { وَسَقُوا ماءً حَمِيـماً فَقَطَّعَ أمْعاءَهُمْ } ويقول : { وَإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا معمر ، عن ابن المبارك ، قال : ثنا صفوان بن عمرو ، عن عبيد الله بن بُسْر ، عن أبـي أمامة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : { وَيُسْقَـى مِنْ ماءِ صَدِيدٍ } فذكر مثله ، إلا أنه قال { سُقُوا ماءَ حَمِيـماً } حدثنـي مـحمد بن خـلف العَسْقلانـي ، قال : ثنا حَيْوة بن شُرَيْحِ الـحِمْصِيّ ، قال : ثنا بقـية ، عن صفوان ابن عمرو ، قال : ثنـي عبـيد الله بن بسر ، عن أبـي أمامة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم مثله سواء . وقوله : { وَيأْتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ وَما هُوَ بِـمَيِّت } فإنه يقول : ويأتـيه الـموت من بـين يديه ومن خـلفه ، وعن يـمينه وشماله ، ومن كلّ موضع من أعضاء جسده . { وَما هُوَ بِـمَيِّتِ } لأنه لا تـخرج نَفْسه فـيـموت فـيستريح ، ولايحيا لتعلق نفسه بـالـحناجر ، فلا ترجع إلـى مكانها . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن ماهد ، فـي قوله : { يَتَـجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسيغُهُ وَيَأَتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ وَما هُوَ بِـمَيِّتٍ } قال : تعلق نفسه عند حنـجرته ، فلا تـخرج من فـيه فـيـموت ولا ترجع إلـى مكانها من جوفه فـيجد لذلك راحة فتنفعه الـحياة . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : ثنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيـم التـيـميّ قوله : { وَيأْتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ } قال : من تـحت كلّ شعرة فـي جسده . وقوله : { وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلـيظٌ } يقول : ومن وراء ما هو فـيه من العذاب ، يعنـي أمامَه وقدامَه عذاب غلـيظ .