Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل العربـية فـي رافع مَثَلُ ، فقال بعض نـحويّـي البصرة : إنـما هو كأنه قال : ومـما نقصّ علـيك { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا } ، ثم أقبل يفسر كما قال : { مَثَلُ الـجَنَّة } ، وهذا كثـير . وقال بعض نـحوّيـي الكوفـيـين : إنـما الـمَثَل للأعمال ، ولكن العرب تُقَدّم الأسماء لأنها أعرف ، ثم تأتـي بـالـخبر الذي تـخبر عنه مع صاحبه . معنى الكلام : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرَماد ، كما قـيـل : { وَيَوْمَ القِـيامَةِ تَرى الَّذِين كَذَبُوا علـى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدّةٌ } ومعنى الكلام : ترى ويوم القـيامة وجوه الذين كذبوا علـى الله مسودّة . قال : ولو خفض الأعمال جاز ، كما قال : { يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ } … الآية . وقوله : { مَثَلُ الـجَنَّةِ التـي وُعِدَ الـمُتَّقُونَ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ } قال : فتـجري هو فـي موضع الـخبر ، كأنه قال : أن تـجريَ ، وأن يكون كذا وكذا ، فلو أدخـل « أن » جاز ، قال : ومنه قول الشاعر : @ ذَرِينـي إنَّ أمْرَكِ لَنْ يُطاعا وَما ألْفَـيْتِنـي حِلْـمِي مُضَاعَا @@ قال : فـالـحلـم منصور بـ « ألفـيت » علـى التكرير ، قال : ولو رفعه كان صوابـاً . قال : وهذا مثَل ضربه الله لأعمال الكفَّـار ، فقال : مثل أعمال الذين كفروا يوم القـيامة التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا يزعمون أنهم يريدون الله بها ، مثل رماد عصفت الريح علـيه فـي يوم ريح عاصف ، فنسفته وذهبت به ، فكذلك أعمال أهل الكفر به يوم القـيامة ، لا يجدون منها شيئاً ينفعهم عند الله فـينـجيهم من عذابه ، لأنهم لـم يكونوا يعملونها لله خالصاً ، بل كانوا يشركون فـيها الأوثان والأصنام ، يقول الله عزّ وجلّ : { ذلكَ هُوَ الضَّلالُ البَعِيدُ } يعني أعمالهم التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا التـي يشركون فـيها مع الله شركاء ، هي أعمال عُملت على غير هدى واستقامة ، بل على جَوْر عن الهدى بعيد ، وأخذ على غير استقامة شديد . وقيل : { فِي يَوْمٍ عاصِفٍ } فوُصف بالعُصوف ، وهو من صفة الريح ، لأن الريح تكون فيه كما يقال : يوم بـارد ، ويوم حارّ ، لأن البرد والحرارة يكونان فيه وكما قال الشاعر : @ يَوْمَيْن غَيْـمَيـْنِ وَيـَوْما شَمْسا @@ فوصف اليومين بالغيمين ، وإنما يكون الغيم فيهما ، وقد يجوز أن يكون أريد به في يوم عاصف الريح ، فحُذفت الريح ، لأنها قد ذُكرت قبل ذلك ، فيكون ذلك نظير قول الشعراء : @ إذَا جاءَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كاسِفُ @@ يريد كاسف الشمس ، وقيل : هو من نعت الريح خاصة ، غير أنه لما جاء بعد اليوم أتبع أعرابه ، وذلك أن العرب تتبع الخفضَ الخفضَ في النعوت ، كما قال الشاعر : @ تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غيرِ مُقْرِفَةٍ مَلْساءً ليس بها خالٌ ولا نَدَبُ @@ فخفض غير اتباعاً لأعراض الوجه ، وإنما هي من نعت السنة ، والمعنى : سُنَّة وجه غَيرَ مقرفة ، وكما قالوا : هذا جُحرُ ضبّ خربٍ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك حدثنا القاسم قال ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : { كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ به الرّيحُ } قال : حملته الريح { في يَوْمٍ عَاصِفٍ } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ } يقول : الذين كفروا بربهم وعبدوا غيره ، فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم ، كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل عليه الريح في يوم عاصف . وقوله : { ذلكَ هُوَ الضَّلالُ البَعيدُ } : أي الـخطأ البـين البعيد عن طريق الـحقّ .