Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 47-47)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { فَلا تَـحْسَبنَّ اللّهَ مُخْـلِفَ وَعْدِهِ } الذي وعدهم من كذّبهم ، وجحد ما أتَوْهم به من عنده . وإنـما قاله تعالـى ذكره لنبـيه تثبـيتاً وتشديداً لعزيـمته ، ومعرّفه أنه منزل من سخطه بـمن كذّبه وجحد نبوّته ، وردّ علـيه ما أتاه به من عند الله ، مثال ما أنزل بـمن سلكوا سبـيـلهم من الأمـم الذين كانوا قبلهم علـى مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند الله علـيهم . وقوله : { إنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ } يعنـي بقوله : { إنَّ اللّهَ عَزِيزٌ } : لا يـمانع منه شيء أراد عقوبته ، قادر علـى كل من طلبه ، لا يفوتُه بـالهَرَب منه . { ذُو انْتِقامٍ } مـمن كفر برسله وكذّبهم ، وجحد نبوتهم ، وأشرك به واتـخذ معه إلهاً غيره . وأضيف قوله : { مُخْـلِفَ } إلـى الوعد ، وهو مصدر لأنه وقع موقع الاسم ، ونصب قوله : { رُسُلَهُ } بـالـمعنى وذلك أن الـمعنى : فلا تـحسبنّ الله مخـلف رسله وعده . فـالوعد وإن كان مخفوضاً بإضافة « مخـلف » إلـيه ، ففـي معنى النصب ، وذلك أن الإخلاف يقع علـى منصوبـين مختلفـين ، كقول القائل : كسوت عبدَ الله ثوبـاً ، وأدخـلته داراً . وإذا كان الفعل كذلك يقع علـى منصوبـين مختلفـين ، جاز تقديـم أيِّهما قْدّم ، وخفضُ ما وَلِـيَ الفعل الذي هو فـي صورة الأسماء ونصب الثانـي ، فـيقال : أنا مدخـلُ عبدِ الله الدار ، وأنا مدخـلُ الدَّارِ عبدَ الله ، إن قدَّمت الدار إلـى الـمُدْخـل وأخرت عبدَ الله خفضت الدار ، إذ أضيف مُدْخـل إلـيها ، ونُصِب عبد الله وإن قُدّم عبدُ الله إلـيه ، وأخَّرت الدار ، خفض عبد الله بإضافة مُدْخـلٍ إلـيه ، ونصب الدار وإنـما فعل ذلك كذلك ، لأن الفعل أعنـي مدخـل يعمل فـي كلّ واحد منهما نصبـاً نـحو عمله فـي الآخر ومنه قول الشاعر : @ تَرَى الثَّوْرَ فيها مُدْخِـلَ الظِّلِّ رأسَهُ وسائرُهُ بـادٍ إلـى الشَّمْسِ أجْمَعُ @@ أضاف مُدْخـل إلـى الظلّ ، ونصب الرأس وإنـما معنى الكلام : مدخـل رأسَه الظلَّ . ومنه قول الآخر : @ فَرِشْنـي بِخَيْرٍ لا أكُونَ وَمِدْحَتِـي كناحِتِ يَوْمٍ صَخْرَةً بعَسِيـلِ @@ والعسيـل : الريشة جُمع بها الطيب ، وإنـما معنى الكلام : كناحِتِ صخرةٍ يوماً بعسيـل ، وكذلك قول الآخر : @ رُبَّ ابْنِ عَمَ لِسُلَـيْـمَى مُشْمَعِلْ طَبَّـاخِ ساعاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِلْ @@ وإنـما معنى الكلام : طبـاخ زادِ الكَسل ساعاتِ الكَرَى . فأما من قرأ ذلك : { فَلا تَـحْسَبنَّ اللّهَ مُخْـلِفَ وَعْدِهِ رُسلهُ } فقد بـيَّنا وجه بُعْدِه من الصحة فـي كلام العرب فـي سورة الأنعام ، عند قوله : { وكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِـيرٍ مِنَ الـمُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شركاؤهم } بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع .