Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 49-51)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وتعاين الذين كفروا بـالله ، فـاجترموا فـي الدنـيا الشرك يومئذٍ ، يعنـي : يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات . { مُقَرَّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ } يقول : مقرنة أيديهم وأرجلهم إلـى رقابهم بـالأصفـاد ، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة ، واحدها : صَفَد ، يقال منه : صفدته فـي الصَّفَد صَفْداً وصِفـاداً ، والصفـاد : القـيد ، ومنه قول عمرو بن كلثوم . @ فَآبُوا بـالنِّهابِ وبـالسَّبـايا وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا @@ ومن جعل الواحد من ذلك صِفـاداً جمعه : صُفُداً لا أصفـاداً . وأما من العطاء ، فإنه يقال منه : أصفدتُهُ إصفـاداً ، كما قال الأعشى : @ تَضَيَّفْتُهُ يَوْماً فأكْرَمَ مَـجْلِسِي وأصْفَدَنِـي عِنْدَ الزَّمانَةِ قائِدَا @@ وقد قيل في العطاء أيضاً : صَفَدَنـي صَفْداً ، كما قال النابغة الذبـيانـيّ : @ هَذَا الثَّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِ فَمَا عَرَضْتُ أبَـيْتَ اللَّعْنَ بـالصَّفَدِ @@ وبنحو الذي قلنا فـي معنى قوله : { مُقَرَّنِينَ فِـي الأصْفـادِ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنـي عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { مُقَرَّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ } يقول : فـي وثاق . حدثنـي مـحمد بن عيسى الدامغانـي ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الأصفـاد : السلاسل . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { مُقَرَّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ } قال : مقرّنـين فـي القـيود والأغلال . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا علـيّ بن هاشم بن البريد ، قال : سمعت الأعمش ، يقول : الصفد : القـيد . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { مُقَرَّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ } قال : صفدت فـيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفـاد : الأغلال . وقوله : { سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ } يقول : قمصهم التـي يـلبسونها ، واحدها : سربـال ، كما قال امرؤ القـيس : @ لَعُربٌ تُلبسنِي إذَا قُمْتُ سرْبالي @@ حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } قال : السرابـيـل : القُمُص . وقوله : { مِنْ قَطِرَانٍ } : يقول : من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفـيه لغات ثلاث : يقال : قِطْران وقَطْران بفتـح القاف وتسكين الطاء منه . وقـيـل : إن عيسى بن عمر كان يقرأ : { مِنْ قِطْرَانٍ } بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبـي النـجم : @ جَوْنٌ كأنَّ العَرَقَ الـمَنْتُوحا لَبَّسَهُ القِطْرَانَ والـمُسُوحا @@ بكسر القاف ، وقال أيضاً : @ كأنَّ قِطْرَاناً إذَا تَلاهَا تَرْمي بِهِ الرّيحُ إلـى مَـجْرَاها @@ بـالكسر . وبنـحو ما قلناه فـي ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الـحسن : { مِنْ قَطِرانٍ } يعنـي : الـخَضْخَاض هِناء الإبل . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن الـحسن : { مِنْ قَطِرَانٍ } قال : قطران الإبل . وقال بعضهم : القطران : النـحاس . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قال : قَطران : نـحاس ، قال ابن جريج : قال ابن عبـاس : { مِنْ قَطِرَانٍ } : نـحاس . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قتادة : { مِن قَطِران } قال : هي نـحاس . وبهذه القراءة : أعنـي بفتـح القاف وكسر الطاء وتصيـير ذلك كله كلـمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه . وقد رُوي عن بعض الـمتقدمين أنه كان يقرأ ذلك : « مِنْ قَطْرٍ آنٍ » بفتـح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيـير « آن » من نعِته ، وتوجيه معنى « القَطر » إلـى أنه النـحاس ومعنى « الآن » إلـى أنه الذي قد انتهى حرّه فـي الشدّة . ومـمن كان يقرأ ذلك كذلك فـيـما ذُكر لنا عكرمة مولـى ابن عبـاس . حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا حُصَين عنه . ذكر من تأوّل ذلك علـى هذه القراءة التأويـل الذي ذكرت فـيه : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، فـي قوله : « سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : قطر ، والآن : الذي قد انتهى حرّه . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبـير نـحوه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنـحوه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرأ : « سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا عفـان ، قال : ثنا الـمبـارك بن فضالة ، قال : سمعت الـحسن يقول : كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه : قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت علـيه جهنـم منذ خـلقت فأنى حرّها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربـيع بن أنس فـي قوله : « سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : القطر : النـحاس ، والآن : يقول : قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول : حميـمٌ آن . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا عفـان بن مسلـم ، قال : ثنا ثابت بن يزيد ، قال : ثنا هلال بن خبـاب ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، فـي هذه الآية : { سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ } قال : من نـحاس ، قال : آنٍ أنى لهم أن يعذّبوا به . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن حصين ، عن عكرمة ، فـي قوله : « مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : الآنـي : الذي قد انتهى حرّه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : « مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : هو النـحاس الـمذاب . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة : « مِنْ قَطُرٍ آنٍ » يعنـي : الصّفر الـمذاب . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن قتادة : « سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من نـحاس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : ثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ : « مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من صفر قد انتهى حرّه . وكان الـحسن يقرؤها : « مِنْ قَطْرٍ آنٍ » . وقوله : { وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } يقول : وتلفَحُ وجوههم النار فتـحرقها { لِـيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ } يقول : فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بـما كسبوا من الآثام فـي الدنـيا ، كيـما يثـيب كلّ نفس بـما كسبت من خير وشرّ ، فـيَجْزِي الـمـحسن بإحسانه ، والـمسيء بإساءته . { إنَّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ } يقول : إن الله عالـم بعمل كلّ عامل ، فلا يحتاج فـي إحصاء أعمالهم إلـى عقد كفّ ولا معاناة ، وهو سريع حسابه لأعمالهم ، قد أحاط بها علـماً ، لا يعزب عنه منها شيء ، وهو مـجازيهم علـى جميع ذلك صغيره وكبـيره .