Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 79-79)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم ومن اللـيـل فـاسهر بعد نومة يا مـحمد بـالقرآن ، نافلة لك خالصة دون أمتك . والتهجد : التـيقظ والسهر بعد نومة من اللـيـل . وأما الهجود نفسه : فـالنوم ، كما قال الشاعر : @ ألا طَرَقْتَنا والرّفـاقُ هُجُودُ فَبـاتَتْ بِعُلاَّتِ النَّوَالِ تَـجُودُ @@ وقال الـحُطَيئة : @ ألا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وُصحْبَتِـي بِحَوْرَانَ حَوَرَانِ الـجُنُودِ هُجُودُ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم ، قال : ثنا أبـي وشعيب بن اللـيث ، عن اللـيث ، عن مـجاهد بن يزيد ، عن أبـي هلال ، عن الأعرج أنه قال : أخبرنـي حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن رجل من الأنصار ، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي سفر ، فقال : لأنظرنّ كيف يصلـي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استـيقظ ، فرفع رأسه إلـى السماء ، فتلا أربع آيات من آخر سورة آل عمران { إنَّ فِـي خَـلْقٍ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّـيْـلِ والنَّهارِ } حتـى مرّ بـالأربع ، ثم أهوى إلـى القربة ، فأخذ سواكا فـاستنّ به ، ثم توضأ ، ثم صلـى ، ثم نام ، ثم استـيقظ فصنع كصنعه أوّل مرّة ، ويزعمون أنه التهجد الذي أمره الله . حدثنـي مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن ، قالا : ثنا سعيد ، عن أبـي إسحاق ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن علقمة والأسود أنهما قالا : التهجد بعد نومة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، قال : التهجد : بعد نومة . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : ثنـي أبو إسحاق ، عن مـحمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة والأسود ، بـمثله . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيـم ، عن الأعمش ، عن إبراهيـم ، عن علقمة ، قال : التهجد : بعد النوم . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا يزيد ، عن هشام ، عن الـحسن ، قال : التهجد : ما كان بعد العشاء الآخرة . حُدثت عن عبد الله بن صالـح ، عن اللـيث ، عن جعفر بن ربـيعة ، عن الأعرج ، عن كثـير بن العبـاس ، عن الـحجاج بن عمرو ، قال : إنـما التهجد بعد رقدة . وأما قوله { نافِلَةً لَكَ } فإنه يقول : نفلاً لك عن فرائضك التـي فرضتها علـيك . واختُلف فـي الـمعنى الذي من أجله خصّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع كون صلاة كلّ مصلّ بعد هجوده ، إذا كان قبل هجوده قد كان أدّى فرائضه نافلة نفلاً ، إذ كانت غير واجبة علـيه ، فقال بعضهم : معنى خصوصه بذلك : هو أنها كانت فريضة علـيه ، وهي لغيره تطوّع ، وقـيـل له : أقمها نافلة لك : أي فضلاً لك من الفرائض التـي فرضتها علـيك عما فرضت علـى غيرك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَمِنَ اللَّـيْـلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ } يعنـي بـالنافلة أنها للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، أُمر بقـيام اللـيـل وكُتب علـيه . وقال آخرون : بل قـيـل ذلك له علـيه الصلاة والسلام لأنه لـم يكن فعله ذلك يكفِّر عنه شيئا من الذنوب ، لأن الله تعالـى كان قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر ، فكان له نافلة فضل ، فأما غيره فهو له كفـارة ، ولـيس هو له نافلة . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير ، عن مـجاهد ، قال : النافلة للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة من أجل أنه قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر ، فما عمل من عمل سوى الـمكتوبة ، فهو نافلة من أجل أنه لا يعمل ذلك فـي كفـارة الذنوب ، فهي نوافل وزيادة ، والناس يعملون ما سوى الـمكتوبة لذنوبهم فـي كفـارتها ، فلـيست للناس نوافل . وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك ، القول الذي ذكرنا عن ابن عبـاس ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله تعالـى قد خصه بـما فرض علـيه من قـيام اللـيـل ، دون سائر أمته . فأما ما ذكر عن مـجاهد فـي ذلك ، فقول لا معنى له ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذُكِر عنه أكثر ما كان استغفـارا لذنوبه بعد نزول قول الله عزّ وجلّ علـيه { لِـيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخَّرَ } وذلك أن هذه السورة أنزلت علـيه بعد مُنْصَرِفَه من الـحديبـية ، وأنزل علـيه { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْـحُ } عام قبض . وقـيـل له فـيها { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّابـا } فكان يُعدُّ له صلى الله عليه وسلم فـي الـمـجلس الواحد استغفـار مئة مرّة ، ومعلوم أن الله لـم يأمره أن يستغفر إلا لـما يغفر له بـاستغفـاره ذلك ، فبـين إذن وجه فساد ما قاله مـجاهد . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن الأعمش ، عن شمر ، عن عطية ، عن شهر ، عن أبـي أُمامة ، قال : إنـما كانت النافلة للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { نافِلَةً لَكَ } قال : تطوّعا وفضيـلة لك . وقوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمودا } وعسى من الله واجبة ، وإنـما وجه قول أهل العلـم : عسى من الله واجبة ، لعلـم الـمؤمنـين أن الله لا يدع أن يفعل بعبـاده ما أطمعهم فـيه من الـجزاء علـى أعمالهم والعوض علـى طاعتهم إياه لـيس من صفته الغرور ، ولا شكّ أنه قد أطمع من قال ذلك له فـي نفعه ، إذا هو تعاهده ولزمه ، فإن لزم الـمقول له ذلك وتعاهده ثم لـم ينفعه ، ولا سبب يحول بـينه وبـين نفعه إياه مع الأطماع الذي تقدم منه لصاحبه علـى تعاهده إياه ولزومه ، فإنه لصاحبه غارّ بـما كان من إخلافه إياه فـيـما كان أطمعه فـيه بقوله الذي قال له . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز أن يكون جلّ ثناؤه من صفته الغرور لعبـاده صحّ ووجب أن كلّ ما أطمعهم فـيه من طمع علـى طاعته ، أو علـى فعل من الأفعال ، أو أمر أو نهى أمرهم به ، أو نهاهم عنه ، فإنه موف لهم به ، وإنهم منه كالعدة التـي لا يخـلف الوفـاء بها ، قالوا : عسى ولعلّ من الله واجبة . وتأويـل الكلام : أقم الصلاة الـمفروضة يا مـحمد فـي هذه الأوقات التـي أمرتك بإقامتها فـيها ، ومن اللـيـل فتهجد فرضا فرضته علـيك ، لعلّ ربك أن يبعثك يوم القـيامة مقاما تقوم فـيه مـحمودا تـحمده ، وتغبط فـيه . ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك الـمقام الـمـحمود ، فقال أكثر أهل العلـم : ذلك هو الـمقام الذي هو يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القـيامة للشفـاعة للناس لـيريحهم ربهم من عظيـم ما هم فـيه من شدّة ذلك الـيوم . ذكر من قال ذلك : حدثنامـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن صلة بن زُفَر ، عن حُذيفة ، قال : يجمع الناس فـي صعيد واحد ، فـيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، حُفـاة عراة كما خُـلقوا ، قـياما لا تكلَّـم نفس إلا بإذنه ، ينادَى : يا مـحمد ، فيقول : " لبيك وسعديك والـخير فـي يديك ، والشرّ لـيس إلـيك ، والـمهديّ من هَدَيت ، عبدك بـين يديك ، وبك وإلـيك ، لا ملـجأ ولا منـجا منك إلا إلـيك ، تبـاركت وتعالـيت ، سبحانك ربّ البـيت " فهذا الـمقام الـمـحمود الذي ذكره الله تعالـى . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي إسحاق ، عن صلة بن زُفر ، عن حُذيفة ، قال : يُجْمع الناس فـي صعيد واحد . فلا تَكَلَّـم نفس ، فأوّل ما يدعو مـحمد النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـيقوم مـحمد النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـيقول : « لبـيك » ، ثم ذكر مثله . حدثنا سلـيـمان بن عمرو بن خالد الرقـي ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كريب ، عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمودا } قال : الـمقام الـمـحمود : مقام الشفـاعة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن سلـمة بن كهيـل ، قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله فـي قصة ذكرها ، قال : ثم يؤمر بـالصراط فـيضرب علـى جسر جهنـم ، فـيـمرّ الناس بقدر أعمالهم يـمرّ أوّلهم كالبرق ، وكمرّ الريح ، وكمرّ الطير ، وكأسرع البهائم ، ثم كذلك حتـى يـمرّ الرجل سعيا ، ثم مشيا ، حتـى يجيء آخرهم يتلبَّط علـى بطنه ، فـيقول : ربّ لـما أبطأت بـي ، فـيقول : إنـي لـم أبطأ بك ، إنـما أبطأ بك عملك ، قال : ثم يأذن الله فـي الشفـاعة ، فـيكون أوّل شافع يوم القـيامة جبرئيـل علـيه السلام ، روح القُدس ، ثم إبراهيـم خـلـيـل الرحمن ، ثم موسى ، أو عيسى ، قال أبو الزعراء : لا أدري أيهما قال قال : ثم يقوم نبـيكم علـيه الصلاة والسلام رابعا ، فلا يشفع أحد بعده فـيـما يشفع فـيه ، وهو الـمقام الـمـحمود الذي ذكر الله { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمودا } . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن عوف ، عن الـحسن فـي قول الله تعالـى { وَمِنَ اللَّـيْـلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَك رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } قال : الـمقام الـمـحمود : مقام الشفـاعة يوم القـيامة . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى : وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله تعالـى : { مَقاما مَـحْمُودا } قال : شفـاعة مـحمد يوم القـيامة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن أبـي عثمان ، عن سلـيـمان ، قال : هو الشفـاعة ، يشفعه الله فـي أمته ، فهو الـمقام الـمـحمود . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } ، وقد ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم خُيِّر بـين أن يكون نبـيا عبدا ، أو ملكا نبـيا ، فأومأ إلـيه جبرئيـل علـيه السلام : أن تَوَاضَعْ ، فـاختار نبـيّ الله أن يكون عبدا نبـيا ، فأُعْطِي به نبـيّ الله ثنتـين : إنه أوّل من تنشقّ عنه الأرض ، وأوّل شافع . وكان أهل العلـم يَرَوْن أنه الـمقام الـمـحمود الذي قال الله تبـارك وتعالـى { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } شفـاعة يوم القـيامة . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { مَقاما مَـحْمُودا } قال : هي الشفـاعة ، يشفِّعه الله فـي أمته . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمر والثوريّ ، عن أبـي إسحاق ، عن صلة بن زُفَر ، قال : سمعت حُذيفة يقول فـي قوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } قال : يجمع الله الناس فـي صعيد واحد حيث يُسمعهم الداعي ، فَـيْنَفُذُهم البصرُ حُفـاة عُراة ، كما خُـلِقوا سكوتا لا تكلَّـم نفس إلا بإذنه ، قال : فـينادَى مـحمد ، فـيقول : لَبَّـيك وسَعْديك ، والـخيرُ فـي يديك ، والشرّ لـيس إلـيك ، والـمهديّ من هَدَيْت ، وعبدُك بـين يديك ، ولك وإلـيك ، لا مْلـجَأَ ولا منـجَى منك إلا إلـيك ، تبـاركت وتعالـيت ، سبحانك ربّ البـيت ، قال : فذلك الـمقامُ الـمـحمودُ الذي ذكر الله { عَسَى أنْ يْبَعَثَكَ رَبُّكَ مَقامَا } مَـحْمُودا . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبـي إسحاق ، عن صلة بن زُفَر ، قال حُذيفة : يجمع الله الناس فـي صعيد واحد ، حيث يَنْفُذُهم البصر ، ويُسْمعهم الداعي ، حُفـاة عُراة كما خُـلقوا أوّل مرّة ، ثم يقوم النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـيقول : « لبـيك وسعديك » ، ثم ذكر نـحوه ، إلا أنه قال : هو الـمقام الـمـحمود . وقال آخرون : بل ذلك الـمقام الـمـحمود الذي وعد الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إياه ، هو أن يقاعده معه علـى عرشه . ذكر من قال ذلك : حدثنا عبـاد بن يعقوب الأسدي ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } قال : يُجْلسه معه علـى عرشه . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ما صحّ به الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك ما : حدثنا به أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن داود بن يزيد ، عن أبـيه ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمودا } سُئل عنها ، قال : « هِيَ الشَّفـاعَةُ » . حدثنا علـيّ بن حرب ، قال : ثنا مَكِّيّ بن إبراهيـم ، قال : ثنا داود بن يزيد الأَوْدِيّ ، عن أبـيه ، عن أبـي هريرة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي قوله : { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } قال : " هو الـمقام الذي أشفع فـيه لأمتـي " حدثنا أبو عُتبة الـحِمْصِيّ أحمد بن الفَرَج ، قال : ثنا بقـية بن الولـيد ، عن الزُّبـيديّ ، عن الزهريّ ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن كعب بن مالك ، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يُحشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِـيامَةِ ، فَأكُونُ أنا وأُمَّتِـي علـى تَلَ ، فَـيَكْسُونِـي رَبّـي حُلَّةً خَضْراءَ ، ثُمَّ يُؤْذَنَ لِـي ، فأقُولُ ما شاءَ اللّهُ أنْ أقُولَ ، فَذَلِكَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ " حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم ، قال : ثنا شعيب بن اللـيث ، قال : ثنـي اللـيث ، عن عبـيد الله بن أبـي جعفر ، أنه قال : سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول : سمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُو حتـى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ ، فَبَـيْنَـما هُمْ كَذلِكَ اسْتَغاثُوا بآدَمَ عَلَـيْهِ السَّلامُ ، فَـيَقُولُ : لَسْتُ صَاحِبَ ذلكَ ، ثُمَّ بِـمُوسَى عَلَـيْهِ السَّلامُ ، فَـيَقُولُ كَذلكَ ثُمَّ بِـمُـحَمَّدٍ فَـيَشْفَعُ بـينَ الـخَـلْقِ فَـيَـمْشِي حتـى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الـجَنَّةِ ، فَـيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللّهُ مَقاما مَـحْمُودا " حدثني أبو زيد عمر بن شَبَّة ، قال : ثنا موسى بن إسماعيـل ، قال : ثنا سعيد بن زيد ، عن علـيّ بن الـحكم ، قال : ثنـي عثمان ، عن إبراهيـم ، عن الأسود وعلقمة ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ حن ] " إنّـي لأَقُومُ الـمَقامَ الـمَـحْمُودَ " [ / حن ] فقال رجل : يا رسول الله ، وما ذلك الـمقام الـمـحمود ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذَاكَ إذَا جِيءَ بِكُمْ حُفـاةً عُرَاةً غُرْلاً فَـيَكُونُ أوَّلَ مَنْ يُكْسَى إبْراهِيـمُ عَلَـيْهِ السَّلامُ ، فَـيُؤْتَـى برِيطَتْـينِ بَـيْضَاوَيْنِ ، فَـيَـلْبَسُهُما ، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ العَرْشِ ، ثُمَّ أوَتـى بكِسْوتَـي فألْبَسُها ، فَأقُومُ عَنْ يَـمِينِهِ مَقاما لا يَقُومُهُ غَيرِي يَغْبِطُنِـي فِـيهِ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ ، ثُمَّ يُفْتَـحُ نَهْرٌ مِنَ الكَوْثَرِ إلـى الـحَوْضِ " حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن علـيّ بن الـحسين ، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إذَا كانَ يَوْمَ القِـيامَةِ مَدَّ اللّهُ الأرْضُ مَدَّ الأدِيـمِ حتـى لا يَكُونَ لِبَشِرٍ مِنَ النَّاسِ إلاَّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ " ، قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " فَأكُونُ أوَّلَ مَنْ يُدْعَى وَجَبْرَئِيـلُ عَنْ يَـمِينِ الرَّحْمَنِ ، واللّهِ ما رآهُ قَبْلَها ، فَأقُولُ : أيّ ربّ إنَّ هَذَا أخْبَرَنِـي أنَّكَ أرْسَلْتَهُ إلـيَّ ، فَـيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ ، ثُمَّ أشْفَعُ ، قال : فَهُوَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ " حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهريّ ، عن علـيّ بن الـحسين ، قال : قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ " ، فذكر نـحوه ، وزاد فـيه : " ثُمَّ أشْفَعُ فَأقُولُ : يا ربّ عِبـادُكَ عَبَدُوكَ فـي أطْرافِ الأرْضِ ، وَهُوَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ " حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا إبراهيـم بن طهمان ، عن آدم ، عن علـيّ ، قال : سمعت ابن عمر يقول : " إن الناس يحشرون يوم القـيامة ، فـيجيء مع كلّ نبـيّ أمته ، ثم يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي آخر الأمـم هو وأمته ، فـيرقـى هو وأمته علـى كَوم فوق الناس ، فـيقول : يا فلان اشفع ، ويا فلان اشفع ، ويا فلان اشفع ، فما زال يردّها بعضهم علـى بعض يرجع ذلك إلـيه ، وهو الـمقام الـمـحمود الذي وعده الله إياه " حدثنا مـحمد بن عوف ، قال : ثنا حَيْوة وربـيع ، قالا : ثنا مـحمد بن حرب ، عن الزبـيديّ ، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن كعب بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِـيامَةِ فَأكُونُ أنا وأمَّتِـي علـى تَلّ ، فَـيَكْسُونِـي رَبّـي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لـيَ فأقُولُ ما شاءَ اللّهُ أنْ أقُولَ ، فذلكَ المَقامُ المَحْمُودُ " وهذا وإن كان هو الصحيح من القول فـي تأويـل قوله { عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاما مَـحْمُودا } لـما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ، فإن ما قاله مـجاهد من أن الله يُقعد مـحمدا صلى الله عليه وسلم علـى عرشه ، قول غير مدفوع صحته ، لا من جهة خبر ولا نظر ، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، ولا عن التابعين بإحالة ذلك . فأما من جهة النظر ، فإن جميع من ينتـحل الإسلام إنـما اختلفوا فـي معنى ذلك علـى أوجه ثلاثة : فقالت فرقة منهم : الله عزّ وجلّ بـائن من خـلقه كان قبل خـلقه الأشياء ، ثم خـلق الأشياء فلـم يـماسَّها ، وهو كما لـم يزل ، غير أن الأشياء التـي خـلقها ، إذ لـم يكن هو لها مـماسا ، وجب أن يكون لها مبـاينا ، إذ لا فعال للأشياء إلا وهو مـماسّ للأجسام أو مبـاين لها . قالوا : فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله عزّ وجلّ فـاعل الأشياء ، ولـم يجز فـي قولهم : إنه يوصف بأنه مـماسّ للأشياء ، وجب بزعمهم أنه لها مبـاين ، فعلـى مذهب هؤلاء سواء أقعد مـحمدا صلى الله عليه وسلم علـى عرشه ، أو علـى الأرض إذ كان من قولهم إن بـينونته من عرشه ، وبـينونته من أرضه بـمعنى واحد فـي أنه بـائن منهما كلـيهما ، غير مـماسّ لواحد منهما . وقالت فرقة أخرى : كان الله تعالـى ذكره قبل خـلقه الأشياء ، لا شيء يـماسه ، ولا شيء يبـاينه ، ثم خـلق الأشياء فأقامها بقدرته ، وهو كما لـم يزل قبل الأشياء خـلقه لا شيء يـماسه ولا شيء يبـاينه ، فعلـى قول هؤلاء أيضا سواء أقعد مـحمدا صلى الله عليه وسلم علـى عرشه ، أو علـى أرضه ، إذ كان سواء علـى قولهم عرشه وأرضه فـي أنه لا مـماس ولا مبـاين لهذا ، كما أنه لا مـماس ولا مبـاين لهذه . وقالت فرقة أخرى : كان الله عزّ ذكره قبل خـلقه الأشياء لا شيء يـماسه ، ولا شيء يبـاينه ، ثم أحدث الأشياء وخـلقها ، فخـلق لنفسه عرشا استوى علـيه جالسا ، وصار له مـماسا ، كما أنه قد كان قبل خـلقه الأشياء لا شيء يرزقه رزقا ، ولا شيء يحرمه ذلك ، ثم خـلق الأشياء فرزق هذا وحرم هذا ، وأعطى هذا ، ومنع هذا ، قالوا : فكذلك كان قبل خـلقه الأشياء يـماسه ولا يبـاينه ، وخـلق الأشياء فماس العرش بجلوسه علـيه دون سائر خـلقه ، فهو مـماس ما شاء من خـلقه ، ومبـاين ما شاء منه ، فعلـى مذهب هؤلاء أيضا سواء أقعد مـحمدا علـى عرشه ، أو أقعده علـى منبر من نور ، إذ كان من قولهم : إن جلوس الربّ علـى عرشه ، لـيس بجلوس يشغل جميع العرش ، ولا فـي إقعاد مـحمد صلى الله عليه وسلم موجبـا له صفة الربوبـية ، ولا مخرجه من صفة العبودية لربه ، كما أن مبـاينة مـحمد صلى الله عليه وسلم ما كان مبـاينا له من الأشياء غير موجبة له صفة الربوبـية ، ولا مخرجته من صفة العبودية لربه من أجل أنه موصوف بأنه له مبـاين ، كما أن الله عزّ وجلّ موصوف علـى قول قائل هذه الـمقالة بأنه مبـاين لها ، هو مبـاين له . قالوا : فإذا كان معنى مبـاين ومبـاين لا يوجب لـمـحمد صلى الله عليه وسلم الـخروج من صفة العبودة والدخول فـي معنى الربوبـية ، فكذلك لا يوجب له ذلك قعوده علـى عرش الرحمن ، فقد تبـين إذا بـما قُلنا أنه غير مـحال فـي قول أحد مـمن ينتـحل الإسلام ما قاله مـجاهد من أن الله تبـارك وتعالـى يُقْعِد مـحمدا علـى عرشه . فإن قال قائل : فإنا لا ننكر إقعادا الله مـحمدا علـى عرشه ، وإنـما ننكر إقعاده . حدثنـي عبـاس بن عبد العظيـم ، قال : ثنا يحيى بن كثـير ، عن الـجَريريّ ، عن سيف السَّدُوسيّ ، عن عبد الله بن سلام ، قال : إن مـحمدا صلى الله عليه وسلم يوم القـيامة علـى كرسيّ الربّ بـين يدي الربّ تبـارك وتعالـى ، وإنـما ينكر إقعاده إياه معه . قـيـل : أفجائز عندك أن يقعده علـيه لا معه . فإن أجاز ذلك صار إلـى الإقرار بأنه إما معه ، أو إلـى أنه يقعده ، والله للعرش مبـاين ، أو لا مـماسّ ولا مبـاين ، وبأيّ ذلك قال كان منه دخولاً فـي بعض ما كان ينكره وإن قال ذلك غير جائز كان منه خروجا من قول جميع الفرق التـي حكينا قولهم ، وذلك فراق لقول جميع من ينتـحل الإسلام ، إذ كان لا قول فـي ذلك إلا الأقوال الثلاثة التـي حكيناها ، وغير مـحال فـي قول منها ما قال مـجاهد فـي ذلك .