Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 80-80)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه : وقل يا مـحمد يا ربّ أدخـلنـي مدخـل صدق . واختلف أهل التأويـل فـي معنى مُدْخـل الصدق الذي أمره الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إلـيه فـي أن يدخـله إياه ، وفـي مخرج الصدق الذي أمره أن يرغب إلـيه فـي أن يخرجه إياه ، فقال بعضهم : عَنَى بـمُدْخـل الصِّدق : مُدْخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمدينة ، حين هاجر إلـيها ، ومُخْرج الصدق : مُخْرجه من مكة ، حين خرج منها مهاجرا إلـى الـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : ثنا جرير ، عن قابوس بن أبـي ظَبْـيان ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قال : كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمكة ، ثم أمر بـالهجرة ، فأنزل الله تبـارك وتعالـى اسمه { وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً } . حدثنا مـحمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، عن عوف عن الـحسن ، فـي قول الله : { أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } قال : كفـار أهل مكة لـما ائتـمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لـيقتلوه ، أو يطردوه ، أو يُوثِقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة ، فأمره أن يخرج إلـى الـمدينة ، فهو الذي قال الله { أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقِ } . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن مَعْمر ، عن قتادة { مُدْخَـلَ صِدْقٍ } قال : الـمدينة { وَمُخْرَجَ صِدْقٍ } قال : مكة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أخرجه الله من مكة إلـى الهجرة بـالـمدينة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } قال : الـمدينة حين هاجر إلـيها ، ومخرج صدق : مكة حين خرج منها مخرج صدق ، قال ذلك حين خرج مهاجرا . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقل ربّ أمتنـي إماتة صِدْق ، وأخرجنـي بعد الـمـمات من قبري يوم القـيامة مُخْرَج صدق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ … } الآية ، قال : يعنـي بـالإدخال : الـموت ، والإخراج : الـحياة بعد الـمـمات . وقال آخرون : بل عَنَى بذلك : أدخـلنـي فـي أمرك الذي أرسلتنـي من النبوّة مُدْخَـل صدق ، وأخرجنـي منه مُخْرَج صدق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ } قال : فـيـما أرسلتنـي به من أمرك { وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } قال كذلك أيضا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، بنـحوه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : { أدخـلنـي مدخـل صدق } : الـجنة ، وأخرجنـي { مخرج صدق } : من مكة إلـى الـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال الـحسن : { أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ الـجنة ومُخْرَجَ صِدْقٍ } من مكة إلـى الـمدينة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني فـي الإسلام مُدْخـل صدق . ذكر من قال ذلك : حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : ثنا ابن نـمير ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح فـي قوله : { رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ } قال : أدخـلنـي فـي الإسلام مدخـل صدق { وأخْرِجْنِـي } منه { مُخْرَجَ صِدْقٍ } . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخـلنـي مكة آمنا ، وأخرجنـي منها آمنا . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك قال فـي قوله : { رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعنـي مكة ، دخـل فـيها آمنا ، وخرج منها آمنا . وأشبه هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك ، قول من قال : معنى ذلك : وأدخـلنـي الـمدينة مُدْخـل صدق ، وأخرجنـي من مكة مُخْرج صدق . وإنـما قلنا ذلك أولـى بتأويـل الآية ، لأن ذلك عقـيب قوله : { وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِن الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وإذاً لا يَـلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } وقد دللنا فـيـما مضى ، علـى أنه عنى بذلك أهل مكة فإذ كان ذلك عقـيب خبر الله عما كان الـمشركون أرادوا من استفزازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لـيخرجوه عن مكة ، كان بـيِّنا ، إذ كان الله قد أخرجه منها ، أن قوله : { وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أمر منه له بـالرغبة إلـيه فـي أن يخرجه من البلدة التـي هم الـمشركون بإخراجه منها مخرج صدق ، وأن يدخـله البلدة التـي نقله الله إلـيها مدخـل صدق . وقوله : { وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : واجعل لـي ملكاً ناصراً ينصرنـي علـى من ناوأنـي ، وعِزّا أقـيـم به دينك ، وأدفع به عنه من أراده بسوء . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، عن عوف ، عن الـحسن ، فـي قول الله عزّ وجلّ : { وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً } يُوعِده لَـيَنْزِعَنَّ مُلك فـارس ، وعزّ فـارس ، ولـيجعلنه له ، وعزّ الرّوم ، ومُلك الروم ، ولـيجعلنه له . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً } وإن نبـيّ الله علـم أن لا طاقةَ له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله عزّ وجلّ ، ولـحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ، وإن السلطان رحمة من الله جعلها بـين أظهر عبـاده ، لولا ذلك لأغار بعضهم علـى بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم . وقال آخرون : بل عُنِـي بذلك حجة بـينة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ { سُلْطاناً نَصِيراً } قال : حجة بـينة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال : ذلك أمر من الله تعالـى نبـيه بـالرغبة إلـيه فـي أن يؤتـيه سلطاناً نصيراً له علـى من بغاه وكاده ، وحاول منعه من إقامته فرائض الله فـي نفسه وعبـاده . وإنـما قلت ذلك أولـى بـالصواب ، لأن ذلك عقـيب خبر الله عما كان الـمشركون هموا به من إخراجه من مكة ، فأعلـمه عزّ وجلّ أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بـالعذاب عن قريب ، ثم أمره بـالرغبة إلـيه فـي إخراجه من بـين أظهرهم إخراج صدق يحاوله علـيهم ، ويدخـله بلدة غيرها ، بـمدخـل صدق يحاوله علـيهم ولأهلها فـي دخولها إلـيها ، وأن يجعل له سلطاناً نصيراً علـى أهل البلدة التـي أخرجه أهلها منها ، وعلـى كلّ من كان لهم شبـيها ، وإذا أوتـي ذلك ، فقد أوتـي لا شكّ حجة بـينة . وأما قوله : { نَصِيراً } فإن ابن زيد كان يقول فـيه ، نـحو قولنا الذي قلنا فـيه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَاجْعَلَ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً } قال : ينصرنـي ، وقد قال الله لـموسى { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بأخِيكَ وَنـجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إلَـيكُما بآياتنا } هذا مقدّم ومؤخَّر ، إنـما هو سلطان بآياتنا فلا يصلون إلـيكما .