Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 81-82)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وقل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين الذين كادوا أن يستفزّونك من الأرض لـيخرجوك منها : { جاءَ الـحَقُّ وَزَهَقَ البـاطِلُ } . واختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحقّ الذي أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلـم الـمشركين أنه قد جاء ، والبـاطل الذي أمره أن يعلـمهم أنه قد زَهَق ، فقال بعضهم : الـحقّ : هو القرآن فـي هذا الـموضع ، والبـاطل : هو الشيطان . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقُلْ جاءَ الـحَقُّ } قال : الـحقّ : القرآن { وَزَهَقَ البـاطِلُ إنَّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقاً } . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَقُلْ جاءَ الـحَقُّ } قال : القرآن : { وَزَهَقَ البـاطِلُ } قال : هلك البـاطل وهو الشيطان . وقال آخرون : بل عُنِـي بـالـحقّ جهاد الـمشركين وبـالبـاطل الشرك . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَقُلْ جاءَ الـحَقُّ } قال : دنا القتال { وَزَهَقَ البـاطِلُ } قال : الشرك وما هم فـيه . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، عن أبـي معمر ، عن ابن مسعود ، قال : دخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول البـيت ثلاثُ مئة وستون صنـماً ، فجعل يطعنها ويقول : { جاءَ الـحَقُّ وَزَهَقَ البـاطِلُ إنَّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقاً } . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : أمر الله تبـارك وتعالـى نبـيه علـيه الصلاة والسلام أن يخبر الـمشركين أن الـحقّ قد جاء ، وهو كلّ ما كان لله فـيه رضا وطاعة ، وأن البـاطل قد زهق : يقول : وذهب كلّ ما كان لا رضا لله فـيه ولا طاعة مـما هو له معصية وللشيطان طاعة ، وذلك أن الـحقّ هو كلّ ما خالف طاعة إبلـيس ، وأن البـاطل : هو كلّ ما وافق طاعته ، ولـم يخصص الله عزّ ذكره بـالـخبر عن بعض طاعاته ، ولا ذهاب بعض معاصيه ، بل عمّ الـخبر عن مـجيء جميع الـحقّ ، وذهاب جميع البـاطل ، وبذلك جاء القرآن والتنزيـل ، وعلـى ذلك قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك بـالله ، أعنـي علـى إقامة جميع الـحقّ ، وإبطال جميع البـاطل . وأما قوله عزّ وجلّ : { وَزَهَقَ البـاطِلُ } فإن معناه : ذهب البـاطل ، من قولهم : زَهَقت نفسه : إذا خرجت وأزهقتها أنا ومن قولهم : أزهق السهم : إذا جاوز الغرض فـاستـمرّ علـى جهته ، يقال منه : زهق البـاطل ، يزهَق زُهوقاً ، وأزهقه الله : أي أذهبه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس { إنَّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقاً } يقول : ذاهبـاً . وقوله عزّ وجلّ : { ونُنَزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ } يقول تعالـى ذكره : وننزّل علـيك يا مـحمد من القرآن ما هو شفـاء يستشفـى به من الـجهل من الضلالة ، ويبصر به من العمى للـمؤمنـين ورحمة لهم دون الكافرين به ، لأن الـمؤمنـين يعملون بـما فـيه من فرائض الله ، ويحلون حلاله ، ويحرّمون حرامه فـيدخـلهم بذلك الـجنة ، ويُنـجيهم من عذابه ، فهو لهم رحمة ونعمة من الله ، أنعم بها علـيهم { وَلا يَزِيدُ الظَّالِـمِينَ إلاَّ خَساراً } يقول : ولا يزيد هذا الذي ننزل علـيك من القرآن الكافرين به إلا خساراً : يقول : إهلاكاً ، لأنهم كلـما نزل فـيه أمر من الله بشيء أو نهى عن شيء كفروا به ، فلـم يأتـمروا لأمره ، ولـم ينتهوا عما نهاهم عنه ، فزادهم ذلك خسارا إلـى ما كانوا فـيه قبل ذلك من الـخسار ، ورجسا إلـى رجسهم قبلُ ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَنُنَّزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ } إذا سمعه الـمؤمن انتفع به وحفظه ووعاه { وَلا يَزِيدُ الظَّالِـمِينَ } به { إلاَّ خَساراً } أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه ، وإن الله جعل هذا القرآن شفـاء ورحمة للمؤمنين .