Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 28-28)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { وَاصْبِرْ } يا مـحمد { نَفْسَكَ مَعَ } أصحابك { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاةِ والعَشِيّ } بذكرهم إياه بـالتسبـيح والتـحميد والتهلـيـل والدعاء والأعمال الصالـحة من الصلوات الـمفروضة وغيرها { يُرِيدُونَ } بفعلهم ذلك { وَجْهَهُ } لا يريدون عرضا من عرض الدنـيا . وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي قوله { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاةِ والعَشِيّ } فـي سورة الأنعام ، والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع . والقرّاء علـى قراءة ذلك : { بـالغَدَاة والعَشِيّ } ، وقد ذُكر عن عبد الله بن عامر وأبـي عبد الرحمن السلـمي أنهما كانا يقرآنه : « بـالغدوة والعشيّ » ، وذلك قراءة عند أهل العلـم بـالعربـية مكروهة ، لأن غدوة معرّفة ، ولا ألف ولا لام فـيها ، وإنـما يعرّف بـالألف واللام ما لـم يكن معرفة فأما الـمعارف فلا تعرّف بهما . وبعد ، فإن غدوة لا تضاف إلـى شيء ، وامتناعها من الإضافة دلـيـل واضح علـى امتناع الألف واللام من الدخول علـيها ، لأن ما دخـلته الألف واللام من الأسماء صلـحت فـيه الإضافة وإنـما تقول العرب : أتـيتك غداة الـجمعة ، ولا تقول : أتـيتك غدوة الـجمعة ، والقراءة عندنا فـي ذلك ما علـيه القرّاء فـي الأمصار لا نستـجيز غيرها لإجماعها علـى ذلك ، وللعلة التـي بـيَّنا من جهة العربـية . وقوله : { وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ } يقول جلّ ثناؤه لنبـيه صلى الله عليه وسلم : ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا مـحمد أن تصبر نفسك معهم إلـى غيرهم من الكفـار ، ولا تـجاوزهم إلـيه وأصله من قولهم : عدوت ذلك ، فأنا أعدوه : إذا جاوزته . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ } قال : لا تـجاوزهم إلـى غيرهم . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنـي عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ } يقول : لا تتعدّهم إلـى غيرهم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { واصْبِرْ نَفْسِكَ … } الآية ، قال : قال القوم للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : إنا نستـحيـي أن نـجالس فلاناً وفلاناً وفلاناً ، فجانبهم يا مـحمد ، وجالس أشراف العرب ، فنزل القرآن { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاة والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ } ولا تـحقرهم ، قال : قد أمرونـي بذلك ، قال : { وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } . حدثنا الربـيع بن سلـيـمان ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي أسامة بن زيد ، عن أبـي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنـيف ، أن هذه الآية لـما نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فـي بضع أبـياته { وَاصْبْر نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فخرج يـلتـمس ، فوجد قوماً يذكرون الله ، منهم ثائر الرأس ، وجافّ الـجلد ، وذو الثوب الواحد ، فلـما رآهم جلس معهم ، فقال : " الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي جَعَلَ لِـي فِـي أُمَّتـي مَنْ أمرنـي أنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُ " ورُفعت العينان بـالفعل ، وهو لا تعد . وقوله : { تُرِيدُ زِينَة الـحَياةَ الدُّنـيْا } يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم : لا تعدُ عيناك عن هؤلاء الـمؤمنـين الذين يدعون ربهم إلـى أشراف الـمشركين ، تبغي بـمـجالستهم الشرف والفخر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فـيـما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك ، وقال بعضهم : بل من عظماء قبـائل العرب مـمن لا بصيرة لهم بـالإسلام ، فرأوه جالسا مع خبـاب وصهيب وبلال ، فسألوه أن يقـيـمهم عنه إذا حضروا ، قالوا : فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله علـيه : { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ثم كان يقوم إذا أراد القـيام ، ويتركهم قعوداً ، فأنزل الله علـيه { وَاصْبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بـالغَدَاةِ والعَشِيّ … } الآية { وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الـحَياةِ الدُّنـيْا } يريد بزينة الـحياة الدنـيا : مـجالسة أولئك العظماء الأشراف ، وفد ذكرت الرواية بذلك فـيـما مضى قبل فـي سورة الأنعام . حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا أسبـاط بن نصر ، عن السدي ، عن أبـي سعيد الأزدي ، وكان قارىء الأزد عن أبـي الكنود ، عن خبـاب فـي قصة ذكرها عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، ذكر فـيها هذا الكلام مدرجا فـي الـخبر { وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الـحَياةِ الدُّنـيْا } قال : تـجالس الأشراف . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرت أن عيـينة بن حصن قال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلـم : لقد آذانـي ريح سلـمان الفـارسي ، فـاجعل لنا مـجلسا منك لا يجامعوننا فـيه ، واجعل لهم مـجلساً لا نـجامعهم فـيه ، فنزلت الآية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذُكر لنا أنه لـما نزلت هذه الآية قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم : " الـحَمْدِ لِلّهِ الَّذِي جَعَلَ فِـي أُمَّتـي مَنْ أُمرْتُ أنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُ " حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { تُرِيدُ زِينَةَ الـحَياةِ الدُّنـيْا } قال : تريد أشراف الدنـيا . حدثنا صالـح بن مسمار ، قال : ثنا الولـيد بن عبد الـملك ، قال : سلـيـمان بن عطاء ، عن مسلـمة بن عبد الله الـجهنـيّ ، عن عمه أبـي مشجعة بن ربعي ، عن سلـمان الفـارسي ، قال : جاءت الـمؤلفة قلوبهم إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم : عيـينة بن حصن ، والأقرع بن حابس وذووهم ، فقالوا : يا نبـيّ الله ، إنك لو جلست فـي صدر الـمسجد ، ونفـيت عنا هؤلاء وأرواح جبـابهم يعنون سلـمان وأبـا ذرّ وفقراء الـمسلـمين ، وكانت علـيهم جبـاب الصوف ، ولـم يكن علـيهم غيرها جلسنا إلـيك وحادثناك ، وأخذنا عنك فأنزل الله : { وَاتْلُ ما أُوحِيَ إلَـيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدّلَ لِكَلِـماتِهِ وَلَنْ تَـجدَ مِنْ دُونهِ مُلْتَـحَداً } ، حتـى بلغ { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمِينَ ناراً } يتهدّدهم بـالنار فقام نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يـلتـمسهم حتـى أصابهم فـي مؤخر الـمسجد يذكرون الله ، فقال : " الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَـمْ يُـمتْنِـي حتـى أمَرَنِـي أنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رجِالٍ مِنْ أُمَّتِـي ، مَعَكُمُ الـمَـحيْا وَمَعَكُمُ الـمَـماتُ " وقوله : { وَلا تُطعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم : ولا تطع يا مـحمد من شغلنا قلبه من الكفـار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بـالغداة والعشيّ عنك ، عن ذكرنا ، بـالكفر وغلبة الشقاء علـيه ، واتبع هواه ، وترك اتبـاع أمر الله ونهيه ، وآثر هوى نفسه علـى طاعة ربه ، وهم فـيـما ذُكر : عيـينة بن حصن ، والأقرع بن حابس وذووهم . حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد العنقزي ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن أبـي سعيد الأزدي ، عن أبـي الكنود ، عن خبـاب { وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا } قال : عيُـينة ، والأقرع . وأما قوله : { وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله ، فقال بعضهم : معناه : وكان أمره ضياعا . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } قال ابن عمرو فـي حديثه قال : ضائعاً . وقال الـحرث فـي حديثه : ضياعاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قال : ضياعا . وقال آخرون : بل معناه : وكان أمره ندماً . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا بدل بن الـمـحبر ، قال : ثنا عبـاد بن راشد ، عن داود فُرُطاً قال : ندامة . وقال آخرون : بل معناه : هلاكاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحسين بن عمرو ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن أبـي سعيد الأزدي ، عن أبـي الكنود ، عن خبـاب { وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } قال : هلاكاً . وقال آخرون : بل معناه : خلافـاً للـحق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } قال : مخالفـا للحقّ ، ذلك الفُرُط . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ، قول من قال : معناه : ضياعاً وهلاكاً ، من قولهم : أفرط فلان فـي هذا الأمر إفراطاً : إذا أسرف فـيه وتـجاوز قدره ، وكذلك قوله : { وكانَ أمْرُهُ فُرُطاً } معناه : وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا فـي الرياء والكبر ، واحتقار أهل الإيـمان ، سرفـاً قد تـجاوز حدّه ، فَضَيَّع بذلك الـحقّ وهلك . وقد : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، قال : قـيـل له : كيف قرأ عاصم ؟ فقال { كانَ أمْرُهُ فُرُطاً } قال أبو كريب : قال أبو بكر : كان عُيـينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا .