Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 29-29)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا مـحمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا ، واتبعوا أهواءهم : الـحقّ أيها الناس من عند ربكم ، وإلـيه التوفـيق والـحذلان ، وبـيده الهدى والضلال يهدي من يشاء منكم للرشاد ، فـيؤمن ، ويضلّ من يشاء عن الهدى فـيكفر ، لـيس إلـيّ من ذلك شيء ، ولست بطارد لهواكم من كان للـحقّ متبعا ، وبـالله وبـما أنزل علـيّ مؤمناً ، فإن شئتـم فآمنوا ، وإن شئتـم فـاكفروا ، فإنكم إن كفرتـم فقد أعدّ لكم ربكم علـى كفركم به نار أحاط بكم سرادقها ، وإن آمنتـم به وعملتـم بطاعته ، فإن لكم ما وصف الله لأهل طاعته . وروي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } يقول : من شاء الله له الإيـمان آمن ، ومن شاء الله له الكفر كفر ، وهو قوله : { وَما تَشاءُونَ إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ رَبْ العَالَـمِينَ } ولـيس هذا بإطلاق من الله الكفر لـمن شاء ، والإيـمان لـمن أراد ، وإنـما هو تهديد ووعيد . وقد بـين أن ذلك كذلك قوله : { إنَّا اعْتَدْنا للظَّالِـمينَ ناراً } والآيات بعدها . كما : حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن عمر بن حبـيب ، عن داود ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } . قال : وعيد من الله ، فلـيس بـمعجزي . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } ، وقوله { اعْمَلُوا ما شِئْتُـمْ } قال : هذا كله وعيد لـيس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضاً . وقوله : { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمينَ ناراً } يقول تعالـى ذكره : إنا أعددنا ، وهو من العُدّة . للظالـمين : الذين كفروا بربهم . كما : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمِينَ ناراً أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } قال : للكافرين . وقوله : { أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } يقول : أحاط سرادق النار التـي أعدّها الله للكافرين بربهم ، وذلك فـيـما قـيـل : حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط ، وهي الـحجرة التـي تطيف بـالفسطاط ، كما قال رؤبة : @ يا حَكَمَ بنَ الـمُنْذِرِ بْنَ الـجارُودْ سُرادِقُ الفَضْلِ عَلَـيْكَ مَـمْدُودْ @@ وكما قال سلامة بن جندل : @ هُوَ الـمُوِلـجُ النُّعْمانَ بـيْتاً سَماؤُهُ صُدُورُ الفُـيُولِ بعدَ بَـيْتٍ مُسَرْدَق @@ يعنـي : بـيتا له سرادق . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمِينَ ناراً أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } قال : هي حائط من نار . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عمن أخبره ، قال { أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } قال : دخان يحيط بـالكفـار يوم القـيامة ، وهو الذي قال الله : { ظلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ } وقد رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي ذلك خبر يدلّ علـى أن معنى قوله { أحاطَ بِهمْ سرادِقُها } أحاط بهم ذلك فـي الدنـيا ، وأن ذلك السرادق هو البحر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي العبـاس بن مـحمد والـحسين بن نصر ، قالا : ثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن أمية ، قال : ثنـي مـحمد بن حيـي بن يعلـى ، عن صفوان بن يعلـى ، عن يعلـى بن أمية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البَحْرُ هُوَ جَهَنَّـمُ " قال : فقـيـل له : كيف ذلك ، فتلا هذه الآية ، أو قرأ هذه الآية : { ناراً أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } ثم قال : " واللّهِ لا أدْخُـلُها أبَداً أوْ ما دُمْتُ حَيًّا ، وَلا تُصِيبُنـي مِنْها قَطْرَة " حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا يعمر بن بشر ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، قال : أخبرنا رشدين بن سعد ، قال : ثنـي عمرو بن الـحرث ، عن أبـي السمـح ، عن أبـي الهيثم ، عن أبـي سعيد الـخدري ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " سُرَادِقُ النَّارِ أرْبَعَةُ جُدُرٍ ، كِثْفُ كُلّ وَاحِدٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أرْبعِينَ سَنَةً " حدثنا بشر ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي عمرو بن الـحارث ، عن درّاج ، عن أبـي الهيثم ، عن أبـي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ لِسُرَادِقِ النَّارِ أرْبَعَةَ جُدُرٍ ، كِثْفُ كُلّ وَاحِدَة مِثْلُ مَسِيرةِ أرْبَعِينَ سَنَةً " حدثنابشر ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي عمرو ، عن دراج ، عن أبـي الهيثم ، عن أبـي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ماءٌ كالـمُهْلِ " ، قالَ : " كَعَكَرِ الزَّيْتِ ، فإذَا قَرَّبَهُ إلَـيْه سقط فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِـيهِ " وقوله : { وَإن يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ } يقول تعالـى ذكره : وإن يستغث هؤلاء الظالـمون يوم القـيامة فـي النار من شدّة ما بهم من العطش ، فـيطلبونَ الـماء يُغاثوا بـماء الـمُهْل . واختلف أهل التأويـل فـي الـمهل ، فقال بعضهم : هو كلّ شيء أذيب وإنـماع . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن ابن مسعود أهديت إلـيه سِقاية من ذهب وفضة ، فأمر بأخدود فخدّ فـي الأرض ، ثم قذف فـيه من جزل حطب ، ثم قذف فـيه تلك السقاية ، حتـى إذا أزبدت وانـماعت قال لغلامه : ادع من يحضُرنا من أهل الكوفة ، فدعا رهطاً ، فلـما دخـلوا علـيه قال : أترون هذا ؟ قالوا : نعم ، قال : ما رأينا فـي الدنـيا شبـيها للـمهل أدنى من هذا الذهب والفضة ، حين أزبد وإنـماع . وقال آخرون : هو القـيح والدم الأسود . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم ، عن أبـي بَزّة ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ } قال : القـيح والدم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { بـمَاءٍ كالـمُهْلِ } قال : القـيح والدم الأسود ، كعكر الزيت . قال الـحرث فـي حديثه : يعنـي درديّة . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { كالـمُهْلِ } قال : يقول : أسود كهيئة الزيت . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { بِـمَاءٍ كالـمَهْلِ } ماء جهنـم أسود ، وهي سوداء ، وشجرها أسود ، وأهلها سود . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ } قال : هو ماء غلـيظ مثل دردي الزيت . وقال آخرون : هو الشيء الذي قد انتهى حرّة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر وهارون بن عنترة ، عن سعيد بن جبـير ، قال : الـمهل : هو الذي قد انتهى حرّة . وهذه الأقوال وإن اختلفت بها ألفـاظ قائلـيها ، فمتقاربـات الـمعنى ، وذلك أن كلّ ما أذيب من رصاص أو ذهب أو فضة فقد انتهى حرّة ، وأن ما أوقدت علـيه من ذلك النار حتـى صار كدردي الزيت ، فقد انتهى أيضاً حرّة . وقد : حُدثت عن معمر بن الـمثنى ، أنه قال : سمعت الـمنتـجع بن نبهان يقول : والله لفلان أبغض إلـيّ من الطلـياء والـمهل ، قال : فقلنا له : وما هما ؟ فقال : الجربـاء ، والـملة التـي تنـحدر عن جوانب الـخبزة إذا ملت فـي النار من النار ، كأنها سهلة حمراء مدققة ، فهي أحمره ، فـالـمهل إذا هو كلّ مائع قد أوقد علـيه حتـى بلغ غاية حرِّة ، أو لـم يكن مائعا ، فإنـماع بـالوقود علـيه ، وبلغ أقصى الغاية فـي شدّة الـحرّ . وقوله : { يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } يقول جلّ ثناؤه : يشوي ذلك الـماء الذي يغاثون به وجوههم . كما : حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي ، قال : ثنا حيوة بن شريح ، قال : ثنا بقـية ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الله بن بُسْر هكذا قال ابن خـلف عن أبـي أمامة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـي قوله { ويُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَـجَرَّعُهُ } قال : " يقرب إلـيه فـيتكرّهه ، فإذا قرب منه ، شوى وجهه ، ووقعت فَرْوة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه " ، يقول الله : { وَإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ يَشوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا إبراهيـم بن إسحاق الطالَقانـي ويعمر بن بشر ، قالا : ثنا ابن الـمبـارك ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بُسْر ، عن أبـي أمامة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر وهارون بن عنترة ، عن سعيد بن جبـير ، قال هارون : إذا جاع أهل النار . وقال جعفر : إذا جاء أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها ، فـاختلست جلود وجوههم ، فلو أن مارّاً مارّ بهم يعرفهم ، لعرف جلود وجوههم فـيها ، ثم يصبّ علـيهم العطش ، فـيستغيثون ، فـيغاثون بـماء كالـمهل ، وهو الذي قد انتهى حرّة ، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّة لـحوم وجوههم التـي قد سقطت عنها الـجلود . وقوله : { بِئْسَ الشَّرابُ } يقول تعالـى ذكره : بئس الشراب ، هذا الـماء الذي يغاث به هؤلاء الظالـمون فـي جهنـم الذي صفته ما وصف فـي هذه الآية . وقوله : { وَساءَتْ مُرْتَفَقاً } يقول تعالـى ذكره : وساءت هذه النار التـي أعتدناها لهؤلاء الظالـمين مرتفقا والـمرتفَق فـي كلام العرب : الـمتكأ ، يقال منه : ارتفقت إذا اتكأت ، كما قال الشاعر : @ قالَتْ لَهُ وَارْتَفَقَتْ ألا فَتَـى يَسُوقُ بـالقَوْمِ غَزَالاتِ الضُّحَى @@ أراد : واتكأت علـى مرفقها وقد ارتفق الرجل : إذا بـات علـى مرفقه لا يأتـيه نوم ، وهو مرتفق ، كما قال أبو ذؤيب الهذلـيّ : @ نامَ الـخَـلِـيُّ وَبِتُّ اللَّـيْـلَ مُرْتَفِقاً كأنَّ عَيْنِـيَ فِـيها الصَّابُ مَذْبُوحُ @@ وأما من الرفق فإنه يقال : قد ارتفقت بك مرتفقاً ، وكان مـجاهد يتأوّل قوله : { وَساءَتْ مُرْتَفَقاً } يعنـي الـمـجتـمع . ذكر الرواية بذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { مُرْتَفَقاً } : أي مـجتـمعاً . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا معتـمر ، عن لـيث ، عن مـجاهد { وَساءَتْ مُرْتَفَقَاً } قال : مـجتـمعاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد مثله . ولست أعرف الارتفـاق بـمعنى الاجتـماع فـي كلام العرب ، وإنـما الارتفـاق : افتعال ، إما من الـمرفق ، وإما من الرفق .