Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 22-23)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفـي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه { فَنَفَخْنا فِـيهِ مِنْ رُوحِنا } بغلام { فحَمَلَتْهُ فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصيًّا } وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سهل ، قال : ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه ، قال : سمعت وهبـاً قال : لـما أرسل الله جبريـل إلـى مريـم تـمثَّل لها بشراً سوياً فقالت له : { إنّـي أعُوذُ بـالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِـيًّا } ثم نفخ فـي جيب درعها حتـى وصلت النفخة إلـى الرحم فاشتـملت . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه الـيـمانـي ، قال : لـما قال ذلك ، يعنـي لـما قال جبريـل { قالَ كذلكِ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلـيَّ هَيِّنٌ … } الآية استسلـمت لأمر الله ، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : طرحَتْ علـيها جلبـابها لـما قال جبريـل ذلك لها ، فأخذ جبريـل بكميها ، فنفخ فـي جيب درعها ، وكان مشقوقاً من قُدامها ، فدخـلت النفخة صدرها ، فحملت ، فأتتها أختها امرأة زكريا لـيـلة تزورها فلـما فتـحت لها البـاب التزمتها ، فقالت امرأة زكريا : يا مريـم أشعرت أنـي حبلـى ، قالت مريـم : أشعرت أيضاً أنـي حُبلـى ، قالت امرأة زكريا : إنـي وجدت ما فـي بطنـي يسجد لـما فـي بطنك ، فذلك قوله { مُصَدّقاً بكَلِـمَةٍ مِنَ اللَّهِ } حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج : يقولون : إنه إنـما نفخ فـي جيب درعها وكمها . وقوله : { فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا } يقول : فـاعتزلت بـالذي حملته ، وهو عيسى ، وتنـحَّت به عن الناس { مكانا قَصِيا } يقول : مكاناً نائياً قاصياً عن الناس ، يقال : هو بـمكان قاص ، وقصيّ بـمعنى واحد ، كما قال الراجز : @ لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ مِنِّـي ذي القاذُورَةِ الـمَقْلِـيّ @@ يقال منه : قصا الـمكان يقصو قصوا : إذا تبـاعد ، وأقصيت الشيء : إذا أبعدته وأخَّرته . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا } قال : مكانا نائيا . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { مَكاناً قَصِيًّا } قال : قاصيا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما بلغ أن تضع مريـم ، خرجت إلـى جانب الـمـحراب الشرقـي منه فأتت أقصاه . وقوله : { فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى جِذْعِ النَّـخْـلَةِ } يقول تعالـى ذكره : فجاء بها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة ، ثم قـيـل : لـما أسقطت البـاء منه أجاءها ، كما يقال : أتـيتك بزيد ، فإذا حذفت البـاء قـيـل آتـيتك زيداً ، كما قال جلّ ثناؤه : { آتُونِـي زُبُرَ الـحَدِيدِ } والـمعنى : ائتونـي بزُبَر الـحديد ، ولكن الألف مُدّت لـما حذفت البـاء ، وكما قالوا : خرجت به وأخرجته ، وذهبت به وأذهبته ، وإنـما هو أفعل من الـمـجيء ، كما يقال : جاء هو ، وأجأته أنا : أي جئت به ، ومثل من أمثال العرب : « شرّ ما أجاءنـي إلـى مُخَّة عرقوب » ، وأشاء ويقال : شرّ ما يُجِيئك ويُشِيئك إلـى ذلك ومنه قول زهير : @ وَجارٍ سارَ مُعْتَـمِداً إلَـيْكُمْ أجاءَتْهُ الـمَـخافَةُ وَالرَّجاءُ @@ يعنـي : جاء به ، وأجاءه إلـينا وأشاءك : من لغة تـميـم ، وأجاءك من لغة أهل العالـية ، وإنـما تأوّل من تأوّل ذلك بـمعنى : ألـجأها ، لأن الـمخاض لـما جاءها إلـى جذع النـخـلة ، كان قد ألـجأها إلـيه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { فأجاءَها الـمَخاضُ } قال : الـمخاض ألـجأها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قال : ألـجأها الـمخاض . قال ابن جريج : وقال ابن عبـاس : ألـجأها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى جِذْعِ النَّـخْـلَةِ } يقول : ألـجأها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى جِذْعِ النَّـخْـلَةِ } قال : اضطرّها إلـى جذع النـخـلة . واختلفوا فـي أيّ الـمكان الذي انتبذتْ مريـم بعيسى لوضعه ، وأجاءها إلـيه الـمخاض ، فقال بعضهم : كان ذلك فـي أدنى أرض مصر ، وآخر أرض الشأم ، وذلك أنها هربت من قومها لـما حملت ، فتوجهت نـحو مصر هاربة منهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن سهل ، قال : ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد بن معقِل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : لـما اشتـملت مريـم علـى الـحمل ، كان معها قَرابة لها ، يقال له يوسف النـجَّار ، وكانا منطلقـين إلـى الـمسجد الذي عند جبل صِهْيَون ، وكان ذلك الـمسجد يؤمئذ من أعظم مساجدهم ، فكانت مريـم ويوسف يخدمان فـي ذلك الـمسجد ، فـي ذلك الزمان ، وكان لـخدمته فضل عظيـم ، فرغبـا فـي ذلك ، فكانا يـلـيان معالـجته بأنفسهما ، تـحبـيره وكناسته وطهوره ، وكلّ عمل يعمل فـيه ، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشدّ اجتهاداً وعبـادة منهما ، فكان أوّل من أنكر حَمْل مريـم صاحُبها يوسف فلـما رأى الذي بها استفظعه ، وعظُم علـيه ، وفُظِع به ، فلـم يدر علـى ماذا يضع أمرها ، فإذا أراد يوسف أن يتهمها ، ذكر صلاحها وبراءتها ، وأنها لـم تغب عنه ساعة قطّ وإذا أراد أن يبرئها ، رأى الذي ظهر علـيها فلـما اشتدّ علـيه ذلك كلَّـمها ، فكان أوّل كلامه إياها أن قال لها : إنه قد حدث فـي نفسي من أمرك أمر قد خشيته ، وقد حَرَصت علـى أن أميته وأكتـمه فـي نفسي ، فغلبنـي ذلك ، فرأيت الكلام فـيه أشفـى لصدري ، قالت : فقل قولاً جميلاً ، قال : ما كنت لأقول لك إلا ذلك ، فحدثـينـي ، هل ينبت زرع بغير بذر ؟ قالت : نعم ، قال : فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها ؟ قالت : نعم ، قال : فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت : نعم ، ألـم تعلـم أن الله تبـارك وتعالـى أنبت الزرع يوم خـلقه من غير بذر ، والبذر يومئذ إنـما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر أو لـم تعلـم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث ، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خـلق كلّ واحد منهما وحده ، أم تقول : لن يقدر الله علـى أن ينبت الشجر حتـى استعان علـيه بـالـماء ، ولولا ذلك لـم يقدر علـى إنبـاته ؟ قال يوسف لها : لا أقول هذا ، ولكنـي أعلـم أن الله تبـارك وتعالـى بقدرته علـى ما يشاء يقول لذلك كن فـيكون ، قالت مريـم : أو لـم تعلـم أن الله تبـارك وتعالـى خـلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر ؟ قال : بلـى ، فلـما قالت له ذلك ، وقع فـي نفسه أن الذي بها شيء من الله تبـارك وتعالـى ، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه ، وذلك لـما رأى من كتـمانها لذلك . ثم تولـى يوسف خدمة الـمسجد ، وكفـاها كلّ عمل كانت تعمل فـيه ، وذلك لـما رأى من رقة جسمها ، واصفرار لونها ، وكلف وجهها ، ونتوّ بطنها ، وضعف قوّتها ، ودأب نظرها ، ولـم تكن مريـم قبل ذلك كذلك فلـما دنا نفـاسها أوحى الله إلـيها أن اخرجي من أرض قومك ، فإنهم إن ظفروا بك عيروك ، وقتلوا ولدك ، فأفضت ذلك إلـى أختها ، وأختها حينئذ حُبلـى ، وقد بشرت بـيحيى ، فلـما التقـيا وجدت أمّ يحيى ما فـي بطنها خرَّ لوجهه ساجداً معترفـاً لعيسى ، فـاحتـملها يوسف إلـى أرض مصر علـى حمار له لـيس بـينها حين ركبت وبـين الإكاف شيء ، فـانطلق يوسف بها حتـى إذا كان متاخماً لأرض مصر فـي منقطع بلاد قومها ، أدرك مريـم النفـاس ، ألـجأها إلـى آريّ حمار ، يعنـي مدود الـحمار ، وأصل نـخـلة ، وذلك فـي زمان أحسبه برداً أو حرّاً « الشكّ من أبـي جعفر » ، فـاشتدّ علـى مريـم الـمخاض فلـما وجدت منه شدّة التـجأت إلـى النـخـلة فـاحتضنتها واحتوشتها الـملائكة ، قاموا صفوفـاً مـحدقـين بها . وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا ، وذلك ما : حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لايتهم ، عن وهب بن منبه ، قال : لـما حضر ولادُها ، يعنـي مريـم ، ووجدت ما تـجد الـمرأة من الطلق ، خرجت من الـمدينة مغربة من إيـلـياء ، حتـى تدركها الولادة إلـى قرية من إيـلـياء علـى ستة أميال يقال لها بـيت لـحم ، فأجاءها الـمخاض إلـى أصل نـخـلة إلـيها مدود بقرة تـحتها ربـيع من الـماء ، فوضعته عندها . وقال آخرون : بل خرجت لـما حضر وضعها ما فـي بطنها إلـى جانب الـمـحراب الشرقـي منه ، فأتت أقصاه فألـجأها الـمخاض إلـى جِذع النـخـلة ، وذلك قول السدي ، وقد ذكرت الرواية به قبل . حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرنـي الـمغيرة بن عثمان ، قال : سمعت ابن عبـاس يقول : ما هي إلا أن حملت فوضعت . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : وأخبرنـي الـمغيرة بن عثمان بن عبد الله أنه سمع ابن عبـاس يقول : لـيس إلا أن حملتْ فولدتْ . وقوله : { يا لَـيْتَنِـي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } ذكر أنها قالت ذلك فـي حال الطلق استـحياء من الناس ، كما : حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : قالت وهي تطلق من الـحبل استـحياء من الناس : { يا لَـيْتَنِـي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } . تقول : يا لـيتنـي متّ قبل هذا الكرب الذي أنا فـيه ، والـحزن بولادتـي الـمولود من غير بَعْل ، وكنت نِسياً منسياً : شيئاً نُسي فُترك طلبه كخرق الـحيض التـي إذا ألقـيت وطرحت لـم تطلب ولـم تذكر ، وكذلك كل شيء نسي وترك ولـم يطلب فهو نسيّ . ونسي بفتـح النون وكسرها لغتان معروفتان من لغات العرب بـمعنى واحد ، مثل الوَتر والوِتر ، والـجَسر والـجِسر ، وبأيتهما قرأ القاريء فمصيب عندنا وبـالكسر قرأت عامة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة وبـالفتـح قرأه أهل الكوفة ومنه قول الشاعر : @ كأنَّ لَهَا فِـي الأرْضِ نِسْياً تَقُصُّهُ إذَا ما غَدَتْ وَإنْ تُـحَدّثْكَ تَبْلَتِ @@ ويعنـي بقوله : تقصه : تطلبه ، لأنها كانت نسيته حتـى ضاع ، ثم ذكرته فطلبته ، ويعنـي بقوله : تبلت : تـحسن وتصدّق ، ولو وجه النسي إلـى الـمصدر من النسيان كان صوابـاً ، وذلك أن العرب فـيـما ذكر عنها تقول : نسيته نسياناً ونسياً ، كما قال بعضهم من طاعة الربّ وعصي الشيطان ، يعنـي وعصيان ، وكما تقول أتـيته إتـياناً وأتـياً ، كما قال الشاعر : @ أَتُـىُّ الفَوَاحِشِ فِـيهِمُ مَعْرُوفَةٌ ويَرَوْنَ فِعْلَ الـمَكْرُماتِ حَرَامَا @@ وقوله { مَنْسِيًّا } مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت : لـيتنـي كنت الشيء الذي ألقـي ، فترك ونسي . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس ، قوله : { يا لَـيْتَنِـي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } لـم أخـلق ، ولـم أك شيئاً . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } يقول : نِسياً : نُسي ذكري ، ومنسياً : تقول : نسي أثري ، فلا يُرى لـي أثر ولا عين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } : أي شيئاً لا يعرف ولا يذكر . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله { وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } قال : لا أعرف ولا يدري من أنا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع بن أنس { نَسْياً مَنْسِيًّا } قال : هو السقط . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يا لَـيْتَنِـي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } لـم أكن فـي الأرض شيئاً قط .