Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 71-71)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ونـجينا إبراهيـم ولوطا من أعدائهما نـمرودٍ وقومِهِ من أرض العراق ، { إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } وهي أرض الشأم ، فـارق صلوات الله علـيه قومه ودينهم وهاجر إلـى الشأم . وهذه القصة التـي قصّ الله من نبأ إبراهيـم وقومه تذكير منه بها قوم مـحمد صلى الله عليه وسلم من قريش أنهم قد سلكوا فـي عبـادتهم الأوثان ، وأذاهم مـحمداً علـى نهيه عن عبـادتها ، ودعائهم إلـى عبـادة الله مخـلصين له الدين ، مسلك أعداء أبـيهم إبراهيـم ومخالفتهم دينه ، وأن مـحمداً فـي براءته من عبـادتها وإخلاصه العبـادة لله ، وفـي دعائهم إلـى البراءة من الأصنام ، وفـي الصبر علـى ما يـلقـى منهم فـي ذلك سالك منهاج أبـيه إبراهيـم ، وأنه مخرجه من بـين أظهرهم كما أخرج إبراهيـم من بـين أظهر قومه حين تـمادوا فـي غيهم إلـى مهاجره من أرض الشأم ، ومسلَ بذلك نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم عما يَـلْقَـى من قومه من الـمكروه والأذى ، ومعلـمه أنه منـجيه منهم كما نـجَّى أبـاه إبراهيـم من كفرة قومه . وقد اختلف أهل التأويـل فـي الأرض التـي ذكر الله أنه نـجَّى إبراهيـم ولوطاً إلـيها ووصفه أنه بـارك فـيها للعالـمين . فقال بعضهم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسين بن حريث الـمروزي أبو عمار ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الـحسين بن واقد ، عن الربـيع بن أنس ، عن أبـي العالـية ، عن أبـيّ بن كعب : { ونَـجَّيْناهُ وَلُوطاً إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } قال : الشأم ، وما من ماء عذب إلا خرج من تلك الصخرة التـي ببـيت الـمقدس . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن فرات القزاز ، عن الـحسن ، فـي قوله : { إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها } قال : الشام . حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ونَـجَّيْناهُ وَلُوطا إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } كانا بأرض العراق ، فأنـجيا إلـى أرض الشام . وكان يُقال للشأم عماد دار الهجرة ، وما نقص من الأرض زيد فـي الشأم ، وما نقص من الشأم زيد فـي فلسطين . وكان يقال : هي أرض الـمـحشر والـمنشر ، وبها مـجمع الناس ، وبها ينزل عيسى ابن مريـم ، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الكذّاب الدجال . وحدثنا أبو قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيْتُ فِـيـما يَرَى النَّائمُ كأنَّ الـمَلائِكَةَ حَمَلَتْ عَمُودَ الكِتابِ فَوَضَعَتْه بـالشَّأْمِ ، فأوَّلْتُه أن الفِتَنَ إذَا وَقَعَتْ فإنَّ الإيـمَانَ بـالشَّأْمِ " وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم فـي خطبه : " إنَّهُ كائِنٌ بـالشَّأْمِ جُنْدٌ ، وبـالعِرَاقِ جُنْدٌ ، وباليَمَنِ جُنْدٌ " فقال رجل : يا رسول الله خِرْ لـي فقال : " عَلَـيْكَ بـالشَّأْمِ فإنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لـي بـالشَّامِ وأهْلِهِ ، فَمَنْ أَبى فَلْـيَـلْـحَقْ بأَمْنِهِ وَلْـيَسْقِ بِقَدَرِهِ " وذُكر لنا أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه قال : يا كعب ألا تـحوَّل إلـى الـمدينة فأنها مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع قبره ؟ فقال له كعب : يا أمير الـمؤمنـين ، إنـي أجد فـي كتاب الله الـمنزل أن الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عبـاده . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة : { وَنـجّيْناهُ وَلُوطا إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } قال : هاجرا جميعا من كُوْثَىَ إلـى الشام . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : انطلق إبراهيـم ولوط قِبَل الشأم ، فلقـي إبراهيـم سارَة ، وهي بنت ملك حَرّان ، وقد طعنت علـى قومها فـي دينهم ، فتزوّجها علـى أن لا يغيرها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرج إبراهيـم مهاجراً إلـى ربه ، وخرج معه لوط مهاجراً ، وتزوّج سارَة ابنة عمه ، فخرج بها معه يـلتـمس الفرار بدينه والأمان علـى عبـادة ربه ، حتـى نزل حرّان ، فمكث فـيها ما شاء الله أن يـمكث . ثم خرج منها مهاجرا حتـى قدم مصر . ثم خرج من مصر إلـى الشام ، فنزل السبع من أرض فلسطين ، وهي برّية الشام ، ونزل لوط بـالـمؤتَفِكَة ، وهي من السبع علـى مسيرة يوم ولـيـلة ، أو أقرب من ذلك ، فبعثه الله نبـيًّا صلى الله عليه وسلم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { وَنـجّيْناهُ وَلُوطا إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } قال : نـجاه من أرض العِراق إلـى أرض الشام . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي جعفر الرازيّ ، عن الربـيع ، عن أبـي العالـية ، أنه قال فـي هذه الآية : { بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } قال : لـيس ماء عذب إلا يهبط إلـى الصخرة التـي ببـيت الـمقدس ، قال : ثم يتفرّق فـي الأرض . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَنـجّيْناهُ وَلُوطا إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } قال : إلـى الشأم . وقال آخرون : بل يعنـي مكة وهي الأرض التـي قال الله تعالـى : { التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَنـجَّيْناهُ وَلُوطا إلـى الأرْضِ التـي بـارَكْنا فِـيها للْعالَـمِينَ } يعنـي مكة ونزول إسماعيـل البـيت ألا ترى أنه يقول : { إنَّ أوَّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ للَّذِي بِبَكَّةَ مُبـارَكاً وَهُدًى للْعالَـمِينَ } ؟ قال أبو جعفر : وإنـما اخترنا ما اخترنا من القول فـي ذلك لأنه لا خلاف بـين جميع أهل العلـم أن هجرة إبراهيـم من العراق كانت إلـى الشام وبها كان مُقامه أيام حياته ، وإن كان قد كان قدم مكة وبنى بها البـيت وأسكنها إسماعيـل ابنه مع أمه هاجر غير أنه لـم يُقِم بها ولـم يتـخذها وطنا لنفسه ، ولا لوط ، والله إنـما أخبر عن إبراهيـم ولوط أنهما أنـجاهما إلـى الأرض التـي بـارك فـيها للعالمين .