Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 43-44)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { ألَـمْ تَرَ } يا مـحمد { أنَّ اللّهَ يُزْجِي } يعنـي يسوق { سَحَابـاً } حيث يريد . { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَـيْنَهُ } : يقول : ثم يؤلف بـين السحاب . وأضاف « بـين » إلـى السحاب ، ولـم يذكر معه غيره ، و « بـين » لا تكون مضافة إلا إلـى جماعة أو اثنـين ، لأن السحاب فـي معنى جمع ، واحده سحابة ، كما يجمع النـخـلة : نَـخْـل ، والتـمرة : تـمر ، فهو نظير قول قائل : جلس فلان بـين النـخـل . وتألـيفُ الله السحاب : جمعه بـين متفرّقها . وقوله : { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً } يقول : ثم يجعل السحاب الذي يزجيه ويؤلف بعضه إلـى بعض { رُكاماً } يعنـي : متراكماً بعضه علـى بعض . وقد : حدثنا عبد الـحميد بن بـيان ، قال : أخبرنا خالد ، قال : ثنا مطر ، عن حبـيب بن أبـي ثابت ، عن عُبـيد بن عُمير اللـيثـيّ ، قال : الرياح أربع : يبعث الله الريح الأولـى فتقمّ الأرض قَمًّا ، ثم يبعث الثانـية فتنشىء سحابـاً ، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بـينه فتـجعله رُكاماً ، ثم يبعث الرابعة فتـمطره . وقوله : { فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِهِ } يقول : فترى الـمطر يخرج من بـين السحاب ، وهو الوَدْق ، قال الشاعر : @ فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها وَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا @@ والهاء فـي قوله : { مِنْ خِلالِهِ } من ذكر السحاب ، والـخلال : جمع خَـلَل . وذُكر عن ابن عبـاس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك : « مِنْ خَـلَلَهِ » . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا حِرْميّ بن عُمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا قَتادة ، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الـحرف : { فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } : « مِنْ خَـلَلِهِ » . قال : ثنا شُعبة ، قال : أخبرنـي عُمارة ، عن رجل ، عن ابن عبـاس ، أنه قر هذا الـحرف : { فَتَرى الوَدْقَ يَخْرجُ مِنْ خِلالِهِ } : « من خَـلَله » . حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرنـي عُمارة بن أبـي حفصة ، عن رجل ، عن ابن عبـاس ، أنه قرأها : « مِنْ خَـلَلِهِ » بفتـح الـخاء ، من غير ألف . قال هارون : فذكرت ذلك لأبـي عمرو ، فقال : إنها لـحسنة ، ولكن خِلاله أعمّ . وأما قرّاء الأمصار ، فإنهم علـى القراءة الأخرى : { مِنْ خِلاَلِهِ } وهي التـي نـختار ، لإجماع الـحجة من القراء علـيها . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } قال : الودّق : القطر ، والـخِلال : السحاب . وقوله : { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ } : قـيـل فـي ذلك قولان : أحدهما : أن معناه : وأن الله ينزل من السماء من جبـال فـي السماء من بَرَد ، مخـلوقة هنالك خـلقه . كأن الـجبـال علـى هذا القول ، هي من بَرَد ، كما يقال : جبـال من طين . والقول الآخر : أن الله ينزل من السماء قَدْر جبـال وأمثال جبـال من بَرَد إلـى الأرض ، كما يقال : عندي بَـيْتان تبناً . والـمعنى : قدر بـيتـين من التبن ، والبـيتان لـيسا من التبن . وقوله : { فَـيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشاءُ } يقول : فـيعذّب بذلك الذي ينزل من السماء من جبـال فـيها من بَرَد من يشاء فـيهلكه ، أو يهلك به زروعه وماله . { وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشاءُ } من خـلقه ، يعنـي عن زروعهم وأموالهم . وقوله : { يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بـالأبْصَارِ } يقول : يكاد شدّة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقـى بصره . والسنا : مقصور ، وهو ضوء البرق . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الـخُراسانـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { يَكادُ سَنا بَرْقِهِ } قال : ضوء برقه . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { يَكادُ سَنا بَرْقِهِ } يقول : لَـمَعان البرق يذهب بـالأبصار . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بـالأبْصَارِ } قال : سناه : ضوء يذهب بـالأبصار . وقرأت قرّاء الأمصار : { يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ } بفتـح الـياء من « يَذْهب » ، سوى أبـي جعفر القارىء فإنه قرأه بضم الـياء : « يُذْهِبُ بـالأبْصَارِ » . والقراءة التـي لا أختار غيرها هي فتـحها ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها ، وأن العرب إذا أدخـلت البـاء فـي مفعول « ذهبت » ، لـم يقولوا : إلا ذهب به ، دون أذهبت به . وإذا أدخـلوا الألف فـي « أذهبت » ، لـم يكادوا أن يدخـلوا البـاء فـي مفعوله ، فـيقولون : أذهبته ، وذهبت به . وقوله : { يُقَلِّبُ اللّهُ اللَّـيْـلَ والنَّهارَ } يقول : يُعْقِب الله بـين اللـيـل والنهار ويصرفهما ، إذا أذهب هذا جاء هذا ، وإذا أَذهب هذا جاء هذا . { إنَّ فِـي ذلكَ لَعِبْرَةً لاِولـي الأبْصَارِ } يقول : إنّ فـي إنشاء الله السحاب وإنزاله منه الوَدّقَ ومن السماء البردَ وفـي تقلـيبه اللـيـل والنهار ، لعبرةً لـمن اعتبر به وعظةً لـمن اتعظ به مـمن له فهم وعقل لأن ذلك ينبىء ويدلّ علـى أنه له مدبِّراً ومصرِّفـاً ومقلِّبـاً ، لا يشبهه شيء .