Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 67-67)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : والذين إذا أنفقوا أموالهم لـم يسرفوا فـي إنفـاقها . ثم اختلف أهل التأويـل فـي النفقة التـي عناها الله فـي هذا الـموضع ، وما الإسراف فـيها والإقتار . فقال بعضهم : الإسرافُ ما كان من نفقة فـي معصية الله ، وإن قلَّت . قال : وإياها عنـي الله ، وسماها إسرافـا قالوا : والإقتار الـمنع من حقّ الله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا ، وكانَ بـينَ ذلك قَوَاماً } قال : هم الـمؤمنون لا يسرفون فـينفقون فـي معصية الله ، ولا يُقترون فـيـمنعون حقوق الله تعالـى . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يـمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مـجاهد ، قال : لو أنفقت مثل أبـي قُبـيس ذهبـاً فـي طاعة الله ما كان سرفـاً ، ولو أنفقت صاعاً فـي معصية الله كان سرفـاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُروا } قال : فـي النفقة فـيـما نهاهم وإن كان درهماً واحداً ، ولـم يقتروا ولـم يُقَصِّرُوا عن النفقة فـي الـحقّ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرفوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } قال : لـم يسرفوا فـينفقوا فـي معاصي الله . كلّ ما أنفق فـي معصية الله ، وإن قلّ فهو إسراف ، ولـم يقتروا فـيـمسكوا عن طاعة الله . قال : وما أُمْسِكَ عن طاعة الله وإن كثر فهو إقتار . قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي إبراهيـم بن نشيط ، عن عمر مولـى غُفرة أنه سئل عن الإسراف ما هو ؟ قال : كلّ شي أنفقته فـي غير طاعة الله فهو سرف . وقال آخرون : السرف : الـمـجاوزة فـي النفقة الـحدّ والإقتار : التقصير عن الذي لا بدّ منه . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا عبد السلام بن حرب ، عن مغيرة ، عن إبراهيـم ، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا } قال : لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف . حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار ، قال : ثنا مـحمد بن يزيد بن خنـيس أبو عبد الله الـمخزومي الـمكي ، قال : سمعت وهيب بن الورد أبـي الورد مولـى بنـي مخزوم ، قال : لقـي عالـم عالـماً هو فوقه فـي العلـم ، فقال : يرحمك الله أخبرنـي عن هذا البناء الذي لا إسراف فـيه ما هو ؟ قال : هو ما سترك من الشمس ، وأكنَّك من الـمطر ، قال : يرحمك الله ، فأخبرنـي عن هذا الطعام الذي نصيبه لا إسراف فـيه ما هو ؟ قال : ما سدّ الـجوع ودونَ الشبع ، قال : يرحمك الله ، فأخبرنـي عن هذا اللبـاس الذي لا إسراف فـيه ما هو ؟ قال : ما ستر عورتك ، وأدفأك من البرد . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي عبد الرحمن بن شريح ، عن يزيد بن أبـي حبـيب فـي هذه الآية { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا … } الآية ، قال : كانوا لا يـلبسون ثوبـاً للـجمال ، ولا يأكلون طعاما للذّة ، ولكن كانوا يريدون من اللبـاس ما يسترون به عورتهم ، ويكتَنُّون به من الـحرّ والقرّ ، ويريدون من الطعام ما سدّ عنهم بـالـجوع ، وقوّاهم علـى عبـادة ربهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن العلاء بن عبد الكريـم ، عن يزيد بن مرّة الـجعفـي ، قال : العلـم خير من العمل ، والـحسنة بـين السيئتـين ، يعنـي : إذا أنفقوا لـم يسرفوا ولـم يقتروا ، وخير الأعمال أوساطها . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مسلـم بن إبراهيـم ، قال : ثنا كعب بن فروخ ، قال : ثنا قتادة ، عن مطرِّف بن عبد الله ، قال : خير هذه الأمور أوساطها ، والـحسنة بـين السيئتـين . فقلت لقتادة : ما الـحسنة بـين السيئتـين ؟ فقال : { الَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا … } الآية . وقال آخرون : الإسرافُ هو أن تأكل مال غيرك بغير حقّ . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا سالـم بن سعيد ، عن أبـي مَعْدان ، قال : كنت عند عون بن عبد الله بن عتبة ، فقال : لـيس الـمسرف من يأكل ماله ، إنـما الـمسرف من يأكل مال غيره . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي ذلك ، قول من قال : الإسراف فـي النفقة الذي عناه الله فـي هذا الـموضع : ما جاوز الـحدّ الذي أبـاحه الله لعبـاده إلـى ما فوقه ، والإقتار : ما قصر عما أمر الله به ، والقوام : بـين ذلك . وإنـما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن الـمسرف والـمقتر كذلك ولو كان الإسراف والإقتار فـي النفقة مرخصاً فـيهما ما كانا مذمومين ، ولا كان الـمسرف ولا الـمقتر مذموماً ، لأن ما أذن الله فـي فعله فغير مستـحقّ فـاعله الذمّ . فإن قال قائل : فهل لذلك من حدّ معروف تبـينه لنا ؟ قـيـل : نعم ، ذلك مفهوم فـي كلّ شيء من الـمطاعم والـمشارب والـملابس والصدقة وأعمال البرّ وغير ذلك ، نكره تطويـل الكتاب بذكر كلّ نوع من ذلك مفصلاً ، غير أن جملة ذلك هو ما بـيَّنا ، وذلك نـحو أكل آكل من الطعام فوق الشبع ما يضعف بدنه ، وينهك قواه ، ويشغله عن طاعة ربه ، وأداء فرائضه ، فذلك من السرف ، وأن يترك الأكل وله إلـيه سبـيـل حتـى يضعف ذلك جسمه ، ويَنْهَك قواه ، ويضعفه عن أداء فرائض ربه ، فذلك من الإقتار ، وبـين ذلك القَوام علـى هذا النـحو ، كلّ ما جانس ما ذكرنا . فأما اتـخاذ الثوب للـجمال ، يـلبسه عند اجتـماعه مع الناس ، وحضوره الـمـحافل والـجمع والأعياد ، دون ثوب مهنته ، أو أكله من الطعام ما قوّاه علـى عبـادة ربه ، مـما ارتفع عما قد يسدّ الـجوع ، مـما هو دونه من الأغذية ، غير أنه لا يعين البدن علـى القـيام لله بـالواجب معونته ، فذلك خارج عن معنى الإسراف ، بل ذلك من القَوام ، لأن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قد أمر ببعض ذلك ، وحضّ علـى بعضه ، كقوله : " ما عَلـى أحَدِكُمْ لَوِ اتَّـخَذَ ثَوْبَـيْنِ . ثَوْبـاً لِـمِهْنَتِهِ ، وَثَوْبـاً لِـجُمْعَتِهِ وَعِيدِهِ " وكقوله : " إذَا أنْعَمَ اللَّهُ عَلـى عَبْدٍ نِعْمَةً أحَبَّ أنْ يَرَى أثَرَهُ عَلَـيْهِ " ، وما أشبه ذلك من الأخبـار التـي قد بـيَّناها فـي مواضعها . وأما قوله : { وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } فإنه النفقة بـالعدل والـمعروف ، علـى ما قد بـيَّنا . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي سلـيـمان ، عن وهب بن منبه ، فـي قوله { وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } قال : الشطر من أموالهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله { وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } : النفقة بـالـحقّ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } قال : القوام : أن ينفقوا فـي طاعة الله ، ويـمسكوا عن مـحارم الله . قال : أخبرنـي إبراهيـم بن نشيط ، عن عمر مولـى غُفْرة ، قال : قلت له : ما القَوام ؟ قال : القوام : أن لا تنفق فـي غير حقّ ، ولا تـمسك عن حقّ هو علـيك . والقوام فـي كلام العرب ، بفتـح القاف ، وهو الشيء بـين الشيئين . تقول للـمرأة الـمعتدلة الـخـلق : إنها لـحسنة القوام فـي اعتدالها ، كما قال الـحُطَيئة : @ طافَتْ أُمامَةُ بـالرُّكبْـانِ آوِنَة ًيا حُسْنَهُ مِنْ قَوَامٍ مَّا وَمُنْتَقَبـا @@ فأما إذا كسرت القاف فقلت : إنه قِوام أهله ، فإنه يعنـي به : أن به يقوم أمرهم وشأنهم . وفـيه لغات آخُرَ ، يقال منه : هو قـيام أهله وقـيِّـمهم فـي معنى قوامهم . فمعنى الكلام : وكان إنفـاقهم بـين الإسراف والإقتار قواماً معتدلاً ، لا مـجاوزة عن حدّ الله ، ولا تقصيراً عما فرضه الله ، ولكن عدلاً بـين ذلك علـى ما أبـاحه جلّ ثناؤه ، وأذن فـيه ورخص . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { ولـم يَقْتُرُوا } فقرأته عامة قرّاء الـمدينة « ولـمْ يُقْتِرُوا » بضمّ الـياء وكسر التاء من : أقتر يقتر . وقرأته عامة قرّاء الكوفـيـين { وَلـمْ يَقْتُرُوا } بفتـح الـياء وضمّ التاء من : قَتَر يَقْتُر . وقرأته عامة قرّاء البصرة « وَلـمْ يَقْتِروا » بفتـح الـياء وكسر التاء من قتر يقتر . والصواب من القول فـي ذلك ، أن كلّ هذه القراءات علـى اختلاف ألفـاظها لغات مشهورات فـي العرب ، وقراءات مستفـيضات وفـي قرّاء الأمصار بـمعنى واحد ، فبأيتها قرأ القارىء فمصيب . وقد بـيَّنا معنى الإسراف والإقتار بشواهدهما فـيـما مضى فـي كتابنا فـي كلام العرب ، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع . وفـي نصب القَوام وجهان : أحدهما ما ذكرت ، وهو أن يجعل فـي كان اسم الإنفـاق بـمعنى : وكان إنفـاقهم ما أنفقوا بـين ذلك قواماً : أي عدلاً ، والآخر أن يجعل بـين هو الاسم ، فتكون وإن كانت فـي اللفظة نصبـاً فـي معنى رفع ، كما يقال : كان دون هذا لك كافـياً ، يعنـي به : أقلّ من هذا كان لك كافـياً ، فكذلك يكون فـي قوله : { وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } لأن معناه : وكان الوسط من ذلك قواماً .