Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-71)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر ، فـيشركون فـي عبـادتهم إياه ، ولكنهم يخـلصون له العبـادة ويفردونه بـالطاعة { وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِـي حَرَّمَ اللَّهُ } قتلها { إلاَّ بِـالـحَقِّ } إما بكفر بـالله بعد إسلامها ، أو زنا بعد إحصانها ، أو قتل نفس ، فتقتل بها { وَلاَ يَزْنُونَ } فـيأتون ما حرّم الله علـيهم إتـيانه من الفروج { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ } يقول : ومن يأت هذه الأفعال ، فدعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس التـي حرّم الله بغير الـحقّ ، وزنى { يَلْقَ أثاماً } يقول : يـلق من عقاب الله عقوبة ونكالاً ، كما وصفه ربنا جلّ ثناؤه ، وهو أنه { يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِـيامَةِ ويَخْـلُدْ فِـيهِ مُهاناً } . ومن الأثام قول بَلْعَاءَ بن قيس الكناني : @ جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حيْثُ أمْسَى عُقُوقا والعُقُوقُ لَهُ أَثامُ @@ يعني بـالأثام : العقاب . وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم من الـمشركين أرادوا الدخول فـي الإسلام ، مـمن كان منه فـي شركه هذه الذنوب ، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام ، فـاستفتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ذلك ، فأنزل الله تبـارك وتعالـى هذه الآية ، يعلـمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : ثنـي يعلـى بن مسلـم عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، أن ناساً من أهل الشرك قَتَلُوا فأكثروا ، فأتوا مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن الذي تدعونا إلـيه الـحسن ، لو تـخبرنا أن لـما عملنا كفـارة ، فنزلت : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بـالـحَقّ ، وَلا يَزْنُونَ } ، ونزلت : { قُلْ يا عِبـادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلـى أنْفُسِهمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ … } إلـى قوله : { مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِـيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأنْتُـمْ لا تَشْعُرُونَ } قال ابن جُرَيج : وقال مـجاهد مثل قول ابن عبـاس سواء . حدثنا عبد الله بن مـحمد الفريابـي ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي معاوية ، عن أبـي عمرو الشيبـانـي ، عن عبد الله ، قال : سألت النبـيّ صلى الله عليه وسلم : ما الكبـائر ؟ قال : " أنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدّا وَهُوَ خَـلَقَك وأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يأكُلَ مَعَكَ ، وأَنْ تَزْنِـيَ بِحَلِـيـلَةِ جارِكَ " ، وقرأ علـينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِـي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بـالـحَقِّ ، وَلا يَزْنُونَ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفـيان عن الأعمش ومنصور ، عن أبـي وائل عن عمرو بن شُرَحْبِـيـلِ ، عن عبد الله ، قال : قلت : يا رسول الله ، أيّ الذنب أعظم ؟ قال : " أنْ تَـجْعَلَ لِلَّهِ ندّا وَهُوَ خَـلَقَكَ " ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : " أنْ تَقْتُل وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يأكُلَ مَعَكَ " ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : " ثُمَّ أنْ تُزَانِـيَ حَلِـيـلَةَ جارِكَ " ، فأنزل تصديق قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بـالـحَقّ ، وَلا يَزْنُونَ } … الآية . حدثنا سلـيـمان بن عبد الـجبـار ، قال : ثنا علـيّ بن قادم ، قال : ثنا أسبـاط بن نصر الهمدانـي ، عن منصور عن أبـي وائل ، عن أبـي ميسرة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، نـحوه . حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ ، قال : ثنـي عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن سفـيان ، عن عبد الله قال : جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيّ الذنب أكبر ؟ ثم ذكر نـحوه . حدثنـي أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : ثنا عامر بن مدرك ، قال : ثنا السريّ ، يعنـي ابن إسماعيـل قال : ثنا الشعبـيّ ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فـاتبعته ، فجلس علـى نَشَز من الأرض ، وقعدت أسفل منه ، ووجهي حيال ركبتـيه ، فـاغتنـمت خـلوته ، وقلت : بأبـي وأمي يا رسول الله ، أيّ الذنوب أكبر ؟ قال : " أنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدّا وَهُوَ خَـلَقَكَ " قلت : ثم مَهْ ؟ قال : " أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكِ كَرَاهِيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ " قلت : ثم مَهْ ؟ قال : " أنْ تُزانِـيَ حَلِـيـلَةَ جارِكَ " ، ثم تلا هذه الآية : « وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها آخَرَ » … إلـى آخر الآية . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طَلْق بن غنام ، عن زائدة ، عن منصور ، قال : ثنـي سعيد بن جُبـير ، أو حُدثت عن سعيد بن جُبـير ، أن عبد الرحمن بن أبْزى أمره أن يسأل ابن عبـاس عن هاتـين الآيتـين التـي فـي النساء { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمناً مُتَعَمِّداً } … إلـى آخر الآية ، والآية التـي فـي الفرقان { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَـلْقَ أثاماً … } إلـى { ويَخْـلُدْ فِـيهِ مُهاناً } قال ابن عبـاس : إذا دخـل الرجل فـي الإسلام ، وعلـم شرائعه وأمره ، ثم قتل مؤمناً متعمداً ، فلا توبة له . والتـي فـي الفرقان ، لـما أنزلت قال الـمشركون من أهل مكة : فقد عدلنا بـالله ، وقتلنا النفس التـي حرّم الله بغير الـحقّ ، فما ينفعنا الإسلام ؟ قال : فنزلت { إلاَّ مَنْ تابَ } قال : فمن تاب منهم قُبل منه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، قال : ثنـي سعيد بن جُبـير ، أو قال : حدثنـي الـحكم عن سعيد بن جُبـير ، قال : أمرنـي عبد الرحمن بن أبزى ، فقال : سل ابن عبـاس ، عن هاتـين الآيتـين ، ما أمرهما عن الآية التـي فـي الفرقان { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهَا آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِـي حَرَّمَ اللَّهُ . … } الآية ، والتـي فـي النساء { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّـمُ } فسألت ابن عبـاس عن ذلك ، فقال : لـما أنزل الله التـي فـي الفرقان ، قال مشركو أهل مكة : قد قتلنا النفس التـي حرّم الله ، ودعونا مع الله إلها آخر ، فقال : { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ عَمَلاً صالِـحاً … } الآية . فهذه لأولئك . وأما التـي فـي النساء { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنا مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّـمُ … } الآية ، فإن الرجل إذا عرف الإسلام ، ثم قتل مؤمناً متعمداً ، فجزاؤه جهنـم ، فلا توبة له . فذكرته لـمـجاهد ، فقال : إلا من ندم . حدثنا مـحمد بن وعوف الطائي ، قال : ثنا أحمد بن خالد الذهنـيّ ، قال : ثنا شيبـان ، عن منصور بن الـمعتـمر ، قال : ثنـي سعيد بن جُبـير ، قال لـي سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى : سل ابن عبـاس عن هاتـين الآيتـين عن قول الله : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخرَ … } إلـى { مَنْ تابَ } ، وعن قوله { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً … } إلـى آخر الآية . قال : فسألت عنها ابن عبـاس ، فقال : أنزلت هذه الآية فـي الفرقان بـمكة إلـى قوله { ويَخْـلُدْ فِـيهِ مُهاناً } فقال الـمشركون : فما يغنـي عنا الإسلام ، وقد عدلنا بـالله ، وقتلنا النفس التـي حرّم الله ، وأتـينا الفواحش ، قال : فأنزل الله { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً … } إلـى آخر الآية ، قال : وأما من دخـل فـي الإسلام وعقَله ، ثم قتل ، فلا توبة له . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن شعبة ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال فـي هذه الآية { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التـي حَرَّم اللَّهُ إلاَّ بـالـحَقّ … } الآية ، قال : نزلت فـي أهل الشرك . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبـير ، قال : أمرنـي عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عبـاس عن هذه الآية { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخَرَ } ، فذكر نـحوه . حدثنـي عبد الكريـم بن عمير ، قال : ثنا إبراهيـم بن الـمنذر ، قال : ثنا عيسى بن شعيب بن ثَوْبـان ، مولًـى لبنـي الديـل من أهل الـمدينة ، عن فُلَـيح الشماس ، عن عبـيد بن أبـي عبـيد ، عن أبـي هريرة ، قال : صلـيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العَتَـمة ، ثم انصرفت فإذا امرأة عند بـابـي ، ثم سلـمت ، ففتـحت ودخـلت ، فبـينا أنا فـي مسجدي أصلـي ، إذ نقرت البـاب ، فأذنت لها ، فدخـلت فقالت : إنـي جئتك أسألك عن عمل عملت ، هل لـي من توبة ؟ فقالت : إنـي زنـيت وولدتُ ، فقتلته ، فقلت : لا ، ولا نعمت العين ولا كرامة . فقامت وهي تدعو بـالـحسرة تقول : يا حسرتاه ، أخُـلِقَ هذا الـحسن للنار ؟ قال : ثم صلـيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك اللـيـلة ، ثم جلسنا ننتظر الإذن علـيه ، فأذن لنا ، فدخـلنا ، ثم خرج من كان معي ، وتـخـلفت ، فقال : " ما لَكَ يا أبـا هُرَيْرَةَ ، ألَكَ حاجَةٌ ؟ " فقلت له : يا رسول الله صلـيت معك البـارحة ، ثم انصرفت . وقصصت علـيه ما قالت الـمرأة ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " ما قُلْتَ لَهَا ؟ " قال : قلت لها : لا والله ولا نعمت العين ولا كرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئْسَ ما قُلْتَ أمَا كُنْتَ تَقْرأُ هَذِهِ الآيَةَ " { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهَا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بـالـحَقّ … } الآية { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً } فقال أبو هريرة : فخرجت ، فلـم أترك بـالـمدينة حصناً ولا داراً إلا وقـفت علـيه ، فقلت : إن تكن فـيكم الـمرأة التـي جاءت أبـا هريرة اللـيـلة ، فلتأتنـي ولتبشر فلـما صلـيت مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم العشاء ، فإذا هي عند بـابـي ، فقلت : أبشري ، فإنـي دخـلت علـى النبـيّ ، فذكرت له ما قلتِ لـي ، وما قلت لك ، فقال : " بئس ما قلت لها ، أما كنت تقرأ هذه الآية ؟ " فقرأتها علـيها ، فخرّت ساجدة ، فقالت : الـحمد لله الذي جعل مَخْرجاً وتوبة مـما عملت ، إن هذه الـجارية وابنها حرّان لوجه الله ، وإنـي قد تبت مـما عملت . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا جعفر بن سلـيـمان ، عن عمرو بن مالك ، عن أبـي الـجوزاء ، قال : اختلفت إلـى ابن عبـاس ثلاث عشرة سنة ، فما شيء من القرآن إلا سألته عنه ، ورسولـي يختلف إلـى عائشة ، فما سمعته ولا سمعت أحداً من العلـماء يقول : إن الله يقول لذنب : لا أغفره . وقال آخرون : هذه الآية منسوخة بـالتـي فـي النساء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي الـمغيرة بن عبد الرحمن الـحرَّانـي ، عن أبـي الزناد ، عن خارجة بن زيد أنه دخـل علـى أبـيه وعنده رجلٍ من أهل العراق ، وهو يسأله عن هذه الآية التـي فـي تبـارك الفرقان ، والتـي فـي النساء { وَمَنْ يَقتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً } فقال زيد بن ثابت : قد عرفت الناسخة من الـمنسوخة ، نسختها التـي فـي النساء بعدها بستة أشهر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال الضحاك بن مزاحم : هذه السورة بـينها وبـين النساء { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً } ثمان حجج . وقال ابن جُرَيج : وأخبرنـي القاسم بن أبـي بزة أنه سأل سعيد بن جُبـير : هل لـمن قتل مؤمنا متعمداً توبة ؟ فقال : لا ، فقرأ علـيه هذه الآية كلها ، فقال سعيد بن جُبـير : قرأتها علـى ابن عبـاس كما قرأتها علـيّ ، فقال : هذه مكية ، نسختها آية مدنـية ، التـي فـي سورة النساء . وقد أتـينا علـى البـيان عن الصواب من القول فـي هذه الآية التـي فـي سورة النساء بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وبنـحو الذي قلنا فـي الأثام من القول ، قال أهل التأويـل ، إلا أنهم قالوا : ذلك عقاب يعاقب الله به من أتـى هذه الكبـائر بواد فـي جهنـم يُدعى أثاماً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أحمد بن الـمقدام ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، قال : سمعت أبـي يحدّث ، عن قَتادة ، عن أبـي أيوب الأزدي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : الأثام : وادٍ فـي جهنـم . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله الله : { يَـلْقَ أثاماً } قال : وادياً فـي جهنـم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، فـي قوله { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَـلْقَ أثاماً } قال : واديا فـي جهنـم فـيه الزناة . حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب ، قال : ثنا مـحمد بن زياد ، قال : ثنا شرقِـيُّ بن قطاميّ ، عن لقمان بن عامر الـخزاعيّ ، قال : جئت أبـا أُمامة صديّ بن عجلان البـاهلـي ، فقلت : حدثنـي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا لـي بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ عَشْرَاوَاتٍ قُذِفَ بِها مِنْ شَفِـيرِ جَهَنَّـمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها خَمْسِينَ خَرِيفـاً ، ثُمَّ تَنْتَهي إلـى غَيَ وأثامٍ " قلت : وما غيّ وأثام ؟ قال : " بِئْرَانِ فِـي أسْفَلِ جَهَنَّـمَ يَسِيـلُ فِـيهِما صَدِيدُ أهْلِ النَّارِ ، وهما اللذان ذكر الله فـي كتابه " { أضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } ، وقوله فـي الفرقان : { وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَـلْقَ أثاماً } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يَـلْقَ أثاماً } قال : الأثام الشرّ ، وقال : سيكفـيك ما وراء ذلك : { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِـيَامَةِ ، ويَخْـلُدْ فِـيهِ مُهَانا } . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { يَـلْقَ أثاماً } قال : نكالاً قال : قال : إنه وادٍ فـي جهنـم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن هشيـم ، قال : أخبرنا زكريا بن أبـي مريـم قال : سمعت أبـا أمامة البـاهلـي يقول : إن ما بـين شفـير جهنـم إلـى قعرها مسيرة سبعين خريفـاً بحجر يهوي فـيها أو بصخرة تهوي ، عظمها كعشر عشراوات سمان ، فقال له رجل : فهل تـحت ذلك من شيء ؟ قال : نعم غيّ وأثام . قوله : { يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِـيامَةِ } . اختلفت القرّاء فـي قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم { يُضَاعَفْ } جزماً { ويَخْـلُدْ } جزماً . وقرأه عاصم : { يضَاعَفُ } رفعاً { وَيَخْـلُدُ } رفعاً كلاهما علـى الابتداء ، وأن الكلام عنده قد تناهى عند : { يَـلْقَ أثاماً } ثم ابتدأ قوله : { يُضَاعَفُ لهُ العَذَابُ } . والصواب من القراءة عندنا فـيه : جزم الـحرفـين كلـيهما : يضاعفْ ، ويخـلدْ ، وذلك أنه تفسير للأثام لا فعل له ، ولو كان فعلاً له كان الوجه فـيه الرفع ، كما قال الشاعر : @ مَتـى تأْتِهِ تَعْشُو إلـى ضَوْءِ نارِهِ تَـجِدْ خيرَ نارٍ عِنْدَها خَيْرُ مُوقِدِ @@ فرفع تعشو ، لأنه فعل لقوله تأته ، معناه : متـى تأته عاشياً . وقوله : { ويَخْـلُدْ فِـيهِ مُهاناً } ويبقـى فـيه إلـى ما لا نهاية فـي هوان . وقوله : { إلاَّ مَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً } يقول تعالـى ذكره : ومن يفعل هذه الأفعال التـي ذكرها جلّ ثناؤه يـلقَ أثاماً { إلاَّ مَنْ تابَ } يقول : إلا من راجع طاعة الله تبـارك وتعالـى بتركه ذلك ، وإنابته إلـى ما يرضاه الله { وآمَنَ } يقول : وصدق بـما جاء به مـحمد نبـيّ الله { وعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً } يقول : وعمل بـما أمره الله من الأعمال ، وانتهى عما نهاه الله عنه . قوله : { فَأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } . اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فأولئك يبدّل الله بقبـائح أعمالهم فـي الشرك ، مـحاسن الأعمال فـي الإسلام ، فـيبدله بـالشرك إيـماناً ، وبقـيـل أهل الشرك بـالله قـيـل أهل الإيـمان به ، وبـالزناعفة وإحصاناً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } قال : هم الـمؤمنون كانوا قبل إيـمانهم علـى السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحوّلهم إلـى الـحسنات ، وأبدلهم مكان السيئات حسنات . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحا … } إلـى آخر الآية ، قال : هم الذي يتوبون فـيعملون بـالطاعة ، فـيبدّل الله سيئاتهم حسنات حين يتوبون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن سعيد ، قال : نزلت { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَها آخَرَ … } إلـى آخر الآية ، فـي وَحْشِيّ وأصحابه ، قالوا : كيف لنا بـالتوبة ، وقد عبدنا الأوثان ، وقتلنا الـمؤمنـين ، ونكحنا الـمشركات ، فأنزل الله فـيهم : { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً ، فأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } ، فأبدلهم الله بعبـادة الأوثان عبـادة الله ، وأبدلهم بقتالهم مع الـمشركين ، قتالاً مع الـمسلـمين للـمشركين ، وأبدلهم بنكاح الـمشركات نكاح الـمؤمنات . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { فَأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } قال : بـالشرك إيـماناً ، وبـالقتل إمساكاً ، وبـالزنا إحصاناً . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلهَا آخَرَ } وهذه الآية مكية نزلت بـمكة { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ } يعنـي : الشرك ، والقتل ، والزنا جميعاً . لـمَّا أنزل الله هذه الآية قال الـمشركون من أهل مكة : يزعم مـحمد أن من أشرك وقتل وزنى فله النار ، ولـيس له عند الله خير ، فأنزل الله : { إلاَّ مَنْ تابَ } من الـمشركين من أهل مكة ، { فَأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } يقول : يبدّل الله مكان الشرك والقتل والزنا : الإيـمان بـالله ، والدخول فـي الإسلام ، وهو التبديـل فـي الدنـيا . وأنزل الله فـي ذلك . { يا عِبـادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا علـى أنْفُسِهِمْ } يعنـيهم بذلك { لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } يعنـي ما كان فـي الشرك . يقول الله لهم : أنـيبوا إلـى ربكم وأسلـموا له ، يدعوهم إلـى الإسلام ، فهاتان الآيتان مكيتان ، والتـي فـي النساء { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّداً … } الآية ، هذه مدنـية ، نزلت بـالـمدينة ، وبـينها وبـين التـي نزلت فـي الفرقان ثمان سنـين ، وهي مبهمة لـيس منها مخرج . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو تُـمَيْـلة ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن مـجاهد ، قال : سُئل ابن عبـاس عن قول الله جلّ ثناؤه : { يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِئاتِهمْ حَسَناتٍ } فقال : @ بُدِّلْنَ بَعْدَ حَرّهِ خَريفـاً وَبَعْدَ طُولِ النَّفَسِ الوَجِيفـا @@ حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهَا آخَرَ … } إلـى قوله { يَخْـلُدْ فِـيهِ مُهاناً } : فقال الـمشركون : ولا والله ما كان هؤلاء الذين مع مـحمد إلا معنا ، قال : فأنزل الله : { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ } . قال : تاب من الشرك ، قال : وآمن بعقاب الله ورسوله { وعَمِلَ عَمَلاً صَالِـحاً } ، قال : صدّق ، { فأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } قال : يبدّل الله أعمالهم السيئة التـي كانت فـي الشرك بـالأعمال الصالـحة حين دخـلوا فـي الإيـمان . وقال آخرون : بل معنى ذلك ، فأولئك يبدّل الله سيئاتهم فـي الدنـيا حسنات لهم يوم القـيامة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أحمد بن عمرو البصريّ ، قال : ثنا قريش بن أنس أبو أنس ، قال : ثنـي صالـح بن رستـم ، عن عطاء الـخراسانـي ، عن سعيد بن الـمسيب { فَأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ } قال : تصير سيئاتهم حسنات لهم يوم القـيامة . حدثنا الـحسن بن عرفة ، قال : ثنا مـحمد بن حازم أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن الـمعرور بن سويد ، عن أبـي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّـي لأَعْرِفُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ ، وآخِرَ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً الـجَنَّةَ ، قال : يُؤْتَـى بِرَجُلٍ يَوْمَ القِـيامَةِ ، فَـيُقالُ : نَـحُّوا كِبـارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغارِها ، قال : فَـيُقالُ لَهُ : عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا ، وَعملْتَ كَذَا وكَذَا ، قال : فَـيَقُولُ : يا رَبّ لَقَدْ عَمِلْتُ أشْياءَ ما أرَاها هَا هُنا ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى بدت نواجذه ، قال : فَـيُقالُ لَهُ : لَكَ مَكانَ كُلِّ سَيِّئَةِ حَسَنَةٌ " قال أبو جعفر : وأولَـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك تأويـل من تأوّله : فأولئك يبدّل الله سيئاتهم : أعمالهم فـي الشرك ، حسنات فـي الإسلام ، بنقلهم عما يسخطه الله من الأعمال إلـى ما يرضى . وإنـما قلنا ذلك أولـى بتأويـل الآية ، لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت علـى ما كانت علـيه من القُبح ، وغير جائز تـحويـل عين قد مضت بصفة ، إلـى خلاف ما كانت علـيه ، إلا بتغيـيرها عما كانت علـيه من صفتها فـي حال أخرى ، فـيجب إن فعل ذلك كذلك ، أن يصير شرك الكافر الذي كان شركاً فـي الكفر بعينه إيـماناً يوم القـيامة بـالإسلام ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة ، وذلك ما لا يقوله ذو حجاً . وقوله : { وكانَ اللَّه غَفُوراً رَحِيـماً } يقول تعالـى ذكره : وكان الله ذا عفو عن ذنوب من تاب من عبـاده ، وراجع طاعته ، وذا رحمة به أن يعاقبه علـى ذنوبه بعد توبته منها . قوله : { وَمَنْ تابَ } يقول : ومن تاب من الـمشركين ، فآمن بـالله ورسوله { وعَمِلَ صَالِـحاً } يقول : وعمل بـما أمره الله فأطاعه ، فإن الله فـاعل به من إبداله سَيِىء أعماله فـي الشرك ، بحسنها فـي الإسلام ، مثل الذي فعل من ذلك ، بـمن تاب وآمن وعمل صالـحاً قبل نزول هذه الآية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَمَنْ تابَ وعَمِلَ صَالِـحاً فإنَّه يَتُوبُ إلـى اللَّهِ مَتابـاً } قال : هذا للـمشركين الذين قالوا لـما أنزلت { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلهَا آخَرَ … } إلـى قوله { وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيـماً } لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كان هؤلاء إلا معنا ، قال : { وَمَنْ تَابَ وعَمِلَ صَالِـحاً } فإن لهم مثل ما لهؤلاء { فإنَّهُ يَتُوبُ إلـى اللَّهِ مَتابـاً } لـم تـخطر التوبة علـيكم .