Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 72-72)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي معنى الزور الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم لا يشهدونه ، فقال بعضهم : معناه الشرك بـالله . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفـيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، فـي قوله : { لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : الشرك . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : هؤلاء الـمهاجرون ، قال : والزُّور قولهم لآلهتهم ، وتعظيـمهم إياها . وقال آخرون : بل عُنِـي به الغناء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـي بن عبد الأعلـى الـمـحاربـيّ قال : ثنا مـحمد بن مروان ، عن لـيث ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : لا يسمعون الغِناء . وقال آخرون : هو قول الكذب . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : الكذب . قال أبو جعفر : وأصل الزُّور تـحسين الشيء ، ووصفه بخلاف صفته ، حتـى يخيَّـل إلـى من يسمعه أو يراه ، أنه خلاف ما هو به ، والشرك قد يدخـل فـي ذلك ، لأنه مـحسَّن لأهله ، حتـى قد ظنوا أنه حقّ ، وهو بـاطل ، ويدخـل فـيه الغناء ، لأنه أيضاً مـما يحسنه ترجيع الصوت ، حتـى يستـحلـي سامعُه سماعَه ، والكذب أيضاً قد يدخـل فـيه ، لتـحسين صاحبه إياه ، حتـى يظنّ صاحبه أنه حقّ ، فكل ذلك مـما يدخـل فـي معنى الزُّور . فإذا كان ذلك كذلك ، فأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـله أن يقال : والذين لا يشهدون شيئاً من البـاطل ، لا شركاً ، ولا غناء ، ولا كذبـاً ولا غيره ، وكلّ ما لزمه اسم الزور ، لأن الله عمّ فـي وصفه إياهم ، أنهم لا يشهدون الزور ، فلا ينبغي أن يُخَصّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسلـيـم لها ، من خبر أو عقل . وقوله : { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } اختلف أهل التأويـل فـي معنى اللغو الذي ذُكر فـي هذا الـموضع ، فقال بعضهم : معناه : ما كان الـمشركون يقولونه للـمؤمنـين ، ويكلـمونهم به من الأذى . ومرورهم به كراماً : إعراضهم عنهم وصفحهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : صفحوا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، قوله { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : إذا أوذوا مرّوا كراماً ، قال : صفحوا . وقال آخرون : بل معناه : مرّوا بذكر النكاح ، كفوا عنه . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن مـجاهد { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : إذا ذكروا النكاح كَفُّوا عنه . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الأشيب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن مـجاهد ، { وَإذَا مَرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : كانوا إذا أتوا علـى ذكر النكاح كفوا عنه . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر ، عن أبـي مخزوم ، عن سيار { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } إذا مرّوا بـالرفَث كفُّوا . وقال آخرون : إذا مرّوا بـما كان الـمشركون فـيه من البـاطل مرّوا منكرين له . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاما } قال : هؤلاء الـمهاجرون ، واللغو ما كانوا فـيه من البـاطل ، يعنـي الـمشركين وقرأ : { فَـاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ } وقال آخرون : عُنى بـاللغو ها هنا : الـمعاصي كلها . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : اللغو كله : الـمعاصي . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي ، أن يقال : إن الله أخبر عن هؤلاء الـمؤمنـين الذين مدحهم بأنهم إذا مرّوا بـاللغو مرّوا كراما ، واللغو فـي كلام العرب هو كل كلام أو فعل بـاطل لا حقـيقة له ولا أصل ، أو ما يستقبح فسبّ الإنسان الإنسان بـالبـاطل الذي لا حقـيقة له من اللَّغو . وذكر النكاح بصريح اسمه مـما يُستقبح فـي بعض الأماكن ، فهو من اللغو ، وكذلك تعظيـم الـمشركين آلهتهم من البـاطل الذي لا حقـيقة لـما عظموه علـى نـحو ما عظموه ، وسماع الغناء مـما هو مستقبح فـي أهل الدين ، فكل ذلك يدخـل فـي معنى اللغو ، فلا وجه إذ كان كل ذلك يـلزمه اسم اللغو ، أن يقال : عُنـي به بعض ذلك دون بعض ، إذ لـم يكن لـخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل . فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويـل الكلام : وإذا مرّوا بـالبـاطل فسمعوه أو رأوه ، مرّوا كراماً مرورهم كراماً فـي بعض ذلك بأن لا يسمعوه ، وذلك كالغناء . وفـي بعض ذلك بأن يعرضوا عنه ويصفحوا ، وذلك إذا أوذوا بإسماع القبـيح من القول . وفـي بعضه بأن يَنْهَوْا عن ذلك ، وذلك بأن يروا من الـمنكر ما يغيَّر بـالقول فـيغيروه بـالقول . وفـي بعضه بأن يضاربوا علـيه بـالسيوف ، وذلك بأن يروا قوماً يقطعون الطريق علـى قوم ، فـيستصرخهم الـمراد ذلك منهم ، فـيصرخونهم ، وكلّ ذلك مرورهم كراماً . وقد : حدثنـي ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا مـحمد بن مسلـم ، عن إبراهيـم بن ميسرة ، قال : مرّ ابن مسعود بلهو مسرعاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنْ أصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَكَرِيـماً " وقـيـل : إن هذه الآية مكية . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، قال : سمعت السديّ يقول : { وَإذَا مَرُّوا بـاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : هي مكية ، وإنـما عنى السديّ بقوله هذا إن شاء الله ، أن الله نسخ ذلك بأمره الـمؤمنـين بقتال الـمشركين بقوله : { فَـاقْتُلُوا الـمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ } وأمرهم إذا مرّوا بـاللَّغو الذي هو شرك ، أن يُقاتلوا أمراءه ، وإذا مرّوا بـاللغو ، الذي هو معصية لله أن يغيروه ، ولـم يكونوا أمروا بذلك بـمكة ، وهذا القول نظير تأويـلنا الذي تأوّلناه فـي ذلك .