Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 15-15)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَدَخَـلَ } موسى { الـمَدِينَةَ } مدينة مَنْف من مصر { عَلـى حِينَ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } وذلك عند القائلة نصف النهار . واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله دخـل موسى هذه الـمدينة فـي هذا الوقت ، فقال بعضهم : دخـلها متبعا أثر فرعون ، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد فلـما حضر علـم بركوبه فركب واتبع أثره ، وأدركه الـمقـيـل فـي هذه الـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون ، ويـلبس مثل ما يـلبس ، وكان إنـما يُدعى موسى بن فرعون ، ثم إن فرعون ركب مركبـاً ولـيس عنده موسى فلـما جاء موسى قـيـل له : إن فرعون قد ركب ، فركب فـي أثره فأدركه الـمقـيـل بأرض يقال لها منف ، فدخـلها نصف النهار ، وقد تغلقت أسواقها ، ولـيس فـي طرقها أحد ، وهي التـي يقول الله : { وَدَخَـلَ الـمدَينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } . وقال آخرون : بل دخـلها مستـخفـيا من فرعون وقومه ، لأنه كان قد خالفهم فـي دينهم ، وعاب ما كانوا علـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لَـمَّا بلغ موسى أشده واستوى ، آتاه الله حكماً وعلـماً ، فكانت له من بنـي إسرائيـل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتـمعون إلـيه ، فلـما استد رأيه ، وعرف ما هو علـيه من الـحقّ ، رأى فراق فرعون وقومه علـى ما هم علـيه حقا فـي دينه ، فتكلـم وعادى وأنكر ، حتـى ذكر منه ، وحتـى أخافوه وخافهم ، حتـى كان لا يدخـل قرية فرعون إلا خائفـاً مستـخفـياً ، فدخـلها يوما علـى حين غفلة من أهلها . وقال آخرون : بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بـالعصا ، فلـم يدخـلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه . وقالوا : ومعنى الكلام : ودخـل الـمدينة علـى حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره . ذكر من قال ذلك : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال : لـيس غفلة من ساعة ، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره . وقال فرعون لامرأته : أخرجيه عنـي ، حين ضرب رأسه بـالعصا ، هذا الذي قُتِلتْ فـيه بنو إسرائيـل ، فقالت : هو صغير ، وهو كذا ، هات جمراً ، فأتـي بجمر ، فأخذ جمرة فطرحها فـي فـيه فصارت عقدة فـي لسانه ، فكانت تلك العقدة التـي قال الله { وَاحُلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلِـي } قال : أخرجيه عنـي ، فأخرج ، فلـم يدخـل علـيهم حتـى كبر ، فدخـل علـى حين غفلة من ذكره . وأولـى الأقوال فـي الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه : { وَلـمَّا أشُدَّهُ وَاسْتَوَى وَدَخَـلَ الـمَدِينَةَ عَلَـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } . واختلفوا فـي الوقت الذي عُنى بقوله : { عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } فقال بعضهم : ذلك نصف النهار . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـحمد بن الـمنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَدَخَـلَ الـمَدينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال : نصف النهار . قال ابن جُرَيج ، عن عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، قال : يقولون فـي القائلة ، قال : وبـين الـمغرب والعشاء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { وَدَخَـل الـمَدِينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال : دخـلها بعد ما بلغ أشدّه عند القائلة نصف النهار . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : دخـل نصف النهار . وقوله : { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } يقول : هذا من أهل دين موسى من بنـي إسرائيـل { وَهَذَا مِنْ عَدُوهِ } من القبط من قوم فرعون { فـاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ } يقول : فـاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى علـى الذي من عدوّه من القبط { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } يقول : فلكزه ولهزه فـي صدره بجمع كفه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبَـير ، قال : أساء موسى من حيث أساء ، وهو شديد الغضب شديد القوّة ، فمرّ برجل من القبط قد تسخَّر رجلاً من الـمسلـمين ، قال : فلـما رأى موسى استغاث به ، قال : يا موسى ، فقال موسى : خـلّ سبـيـله ، فقال : قد همـمت أن أحمله علـيك { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضى عَلَـيْهِ } قال : حتـى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الـخبر قال : فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر فـي مثل حدّه قال : فقال : يا موسى ، قال : فـاشتدّ غضب موسى ، قال : فأهوى ، قال : فخاف أن يكون إياه يريد ، قال : فقال : { أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْساً بـالأَمْسِ } ؟ قال : فقال الرجل : ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت ؟ . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عثام بن علـيّ ، قال : ثنا الأعمش ، عن سعيد بن جُبـير { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلانِ } قال : رجل من بنـي إسرائيـل يقاتل جبـاراً لفرعون { فـاسْتَغاثَهُ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } فلـما كان من الغد ، استصرخ به فوجده يقاتل آخر ، فأغاثه ، فقال { أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْساً بـالأمْسِ } فعرفوا أنه موسى ، فخرج منها خائفـا يترقب ، قال عثام : أو نـحو هذا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْن يَقْتَتِلانِ ، هذَا مِنْ شِيعَتِهِ ، وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ } أما الذي من شيعته فمن بنـي إسرائيـل ، وأما الذي من عدوّه فقبطيّ من آل فرعون . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { فَوَجدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلان ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ } يقول : من القبط { فـاسْتَغاثَهُ الَّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذي مِنْ عَدُوّهِ } . حدثنا العبـاس بن الولـيد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : ثنا القاسم ابن أبـي أيوب ، قال : ثنـي سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما بلغ موسى أشدّه ، وكان من الرجال ، لـم يكن أحد من آل فرعون يخـلص إلـى أحد من بنـي إسرائيـل معه بظلـم ولا سخرة ، حتـى امتنعوا كلّ الامتناع ، فبـينا هو يـمشي ذات يوم فـي ناحية الـمدينة ، إذا هو برجلـين يقتتلان : أحدهما من بنـي إسرائيـل ، والآخر من آل فرعون ، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي ، فغضب موسى واشتدّ غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل ، وحفظه لهم ، ولا يعلـم الناس إلا أنـما ذلك من قِبل الرضاعة من أمّ موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك علـى علـم ما لـم يطلع علـيه غيره ، فوكز موسى الفرعونـي فقتله ، ولـم يرهما أحد إلا الله والإسرائيـلـي ، فـ { قَالَ } موسى حين قتل الرجل { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطان … } الآية . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق { فَوَجَدَ فِـيهَا رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } مسلـم ، وهذا من أهل دين فرعون كافر { فـاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } وكان موسى قد أوتـي بسطة فـي الـخـلق ، وشدّة فـي البطش فغضب بعدوّهما فنازعه { فَوَكَزَهُ مُوسَى } وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله ، فـ { قال هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ } . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } قال : من قومه من بنـي إسرائيـل ، وكان فرعون من فـارس من إصطخر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، بنـحوه . قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } إسرائيـلـي { وَهَذا مِنْ عَدُوّهِ } قبطي { فـاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذِي مِنْ عَدُوّهِ } . وبنـحوه الذي قلنا أيضاً قالوا فـي معنى قوله : { فَوَكَزَهُ مُوسَى } . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { فَوَكَزَهُ مُوسَى } قال : بجمع كفه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { فَوَكَزَهُ مُوسَى } نبـيّ الله ، ولـم يتعمد قتله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قتله وهو لا يريد قتله . وقوله : { فَقَضَى عَلَـيْهِ } يقول : ففرغ من قتله . وقد بـيَّنت فـيـما مضى أن معنى القضاء : الفراغ بـما أغنـي عن إعادته ههنا . ذكر أنه قتله ثم دفنه فـي الرمل ، كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } ثم دفنه فـي الرمل . وقوله : { قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ } يقول تعالـى ذكره : قال موسى حين قتل القتـيـل : هذا القتل من تسبب الشيطان لـي بأن هيَّج غضبـي حتـى ضربت هذا فهلك من ضربتـي ، { إنَّهُ عَدُو } ّ يقول : إن الشيطان عدوّ لابن آدم { مُضِلّ } له عن سبـيـل الرشاد بتزيـينه له القبـيح من الأعمال ، وتـحسينه ذلك له { مُبِـينٌ } يعنـي أنه يبـين عداوته لهم قديـماً ، وإضلاله إياهم .