Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 101-101)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وكيف تكفرون أيها المؤمنون بعد إيـمانكم بـالله وبرسوله ، فترتدوا علـى أعقابكم { وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايـَٰتُ ٱللَّهِ } يعنـي : حجج الله علـيكم التـي أنزلها فـي كتابه علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم . { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } حجة أخرى عليكم لله ، مع آي كتابه ، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ ، ويبصركم الهدى والرشاد ، وينهاكم عن الغيّ والضلال يقول لهم تعالى ذكره : فما وجه عذركم عند ربكم في جحودكم نبوّة نبـيكم ، وارتدادكم على أعقابكم ، ورجوعكم إلـى أمر جاهليتكم ، إن أنتـم راجعتـم ذلك وكفرتم ، وفيه هذه الحجج الواضحة ، والآيات البينة ، على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ } … الآية ، علـمان بـينان : وُجْدَانُ نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم ، وكتاب الله فأما نبـيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم وأما كتاب الله ، فأبقاه الله بـين أظهركم رحمة من الله ونعمة ، فـيه حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته . وأما قوله : { مَنْ يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ } فإنه يعنـي : ومن يتعلق بأسبـاب الله ، ويتـمسك بدينه وطاعته ، { فَقَدْ هُدِىَ } يقول : فقد وفق لطريق واضح ومـحجة مستقـيـمة غير معوجة ، فـيستقـيـم به إلـى رضا الله وإلـى النـجاة من عذاب الله والفوز بجنته . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ } قال : يؤمن بـالله . وأصل العصم : الـمنع ، فكل مانع شيئاً فهو عاصمه ، والـمـمتنع به معتصم به ، ومنه قول الفرزدق : @ أنا ابْنُ العاصِمينَ بنـي تَـمِيـمٍ إذَا ما أعْظَمُ الـحدَثانِ نابَـا @@ ولذلك قـيـل للـحبل : عصام ، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلـى حاجته : عصام ، ومنه قول الأعشى : @ إلـى الـمَرْءِ قَـيْسٍ أُطِيـلُ السُّرى وآخُذُ مِنْ كُلّ حَيٍّ عُصُمْ @@ يعنـي بـالعُصُم : الأسبـاب ، أسبـاب الذمة والأمان ، يقال منه : اعتصمت بحبل من فلان ، واعتصمت حبلاً منه ، واعتصمت به واعتصمه . وأفصح اللغتـين : إدخال البـاء ، كما قال عزّ وجلّ : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } وقد جاء « اعتصمته » ، كما قال الشاعر : @ إذَا أنْتَ جازَيْتَ الإخاءَ بِـمِثْلِهِ وَآسَيْتَنِـي ثُمَّ اعْتَصَمْتُ حبِـالِـيا @@ فقال : « اعتصمت حبـالـيا » ، ولـم يدخـل البـاء ، وذلك نظير قولهم : تناولت الـخطام وتناولت بـالـخطام ، وتعلقت به وتعلقته ، كما قال الشاعر : @ تَعَلَّقْتَ هِنْداً ناشِئا ذَاتَ مِئْزَرٍ وأنتَ وَقد فـارَقْتَ لـمْ تَدْرِ ما الـحِلْـمُ @@ وقد بـينت معنى الهدى والصراط وأنه معنّـي به الإسلام فـيـما مضى قبل بشواهده ، فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع . وقد ذكر أن الذي نزل فـي سبب تَـحَاوُرْ القبيلتين الأوس والـخزرج ، كان منه قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ } . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حسن بن عطية ، قال : ثنا قـيس بن الربـيع ، عن الأغرّ بن الصبـاح ، عن خـلـيفة بن حصين ، عن أبـي نصر ، عن ابن عبـاس ، قال : كانت الأوس والـخزرج بـينهم حرب فـي الـجاهلـية كل شهر ، فبـينـما هم جلوس إذ ذكروا ما كان بـينهم حتـى غضبوا ، فقام بعضهم إلـى بعض بـالسلاح ، فنزلت هذه الآية : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } … إلـى آخر الآيتـين ، { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء } [ آل عمران : 103 ] … إلـى آخر الآية .