Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 112-112)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بقول جلّ ثناؤه { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } ألزموا الذلة ، والذلة : الفعلة من الذلّ ، وقد بـينا ذلك بشواهده في غير هذا الـموضع . { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ } يعنـي : حيثما لقوا . يقول جلّ ثناؤه : ألزم الـيهود الـمكذّبون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم الذلة أينـما كانوا من الأرض ، وبأيّ مكان كانوا من بقاعها من بلاد الـمسلـمين والـمشركين ، إلا بحبل من الله ، وحبل من الناس كما : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الـحسن فـي قوله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } قال : أدركتهم هذه الأمة ، وإن الـمـجوس لتـجبـيهم الـجزية . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قل : ثنا عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } قال : أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم الله تـحت أقدام الـمسلـمين . وأما الحبل الذي ذكره الله فـي هذا الموضع ، فإنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من الـمؤمنـين ، وعلـى أموالهم وذراريهم من عهد وأمان تقدم لهم عقده قبل أن يثقـفوا فـي بلاد الإسلام . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ } قال : بعهد ، { وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } قال : بعهدهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يقول : إلا بعهد من الله ، وعهد من الناس . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد ، عن عثمان بن غياث ، قال عكرمة : يقول : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } قال : بعهد من الله ، وعهد من الناس . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يقول : إلا بعهد من الله ، وعهد من الناس . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يقول : إلا بعهد من الله ، وعهد من الناس . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } فهو عهد من الله ، وعهد من الناس ، كما يقول الرجل : ذمة الله ، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو الـميثاق . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مـجاهد : { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } قال : بعهد من الله ، وعهد من الناس لهم . قال ابن جريج وقال عطاء : العهد : حبل الله . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } قال : إلا بعهد وهم يهود ، قال : والـحبل : العهد . قال : وذلك قول أبـي الهيثم بن التـيهان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتته الأنصار فـي العقبة : أيها الرجل إنا قاطعون فـيك حبـالاً بـيننا وبـين الناس ، يقول : عهوداً . قال : والـيهود لا يأمنون فـي أرض من أرض الله إلا بهذا الـحبل الذي قال الله عزّ وجلّ ، وقرأ : { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ آل عمران : 55 ] قال : فلـيس بلد فـيه أحد من النصارى إلا وهم فوق يهود فـي شرق ولا غرب هم فـي البلدان كلها مستذلون ، قال الله : { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ فِي ٱلاْرْضِ أُمَمًا } [ الأعراف : 168 ] يهود . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك فـي قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } بقول : بعهد من الله ، وعهد من الناس . حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله . واختلف أهل العربـية فـي الـمعنى الذي جلب البـاء فـي قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } فقال بعض نـحويـي الكوفة : الذي جلب البـاء فـي قوله : { بِحَبْلِ } فعل مضمر قد ترك ذكره . قال : ومعنى الكلام : ضربت علـيهم الذلة أينما ثقـفوا ، إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فأضمر ذلك . واستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر : @ رأتْنِـي بِحَبْلَـيْها فَصَدَّتْ مَخافَةً وفـي الـحَبْل رَوْعاءُ الفُؤاد فَرُوقُ @@ وقال : أراد : أقْبَلْتُ بحبلـيها . وبقول الآخر : @ حَنَتْنِي حانِياتُ الدَّهْر حتى كأني خاتِلٌ أحْنُو لِصَيْد @@ فأوجب إعمال فعل محذوف وإظهار صلته وهو متروك ، وذلك في مذاهب العربـية ضعيف ، ومن كلام العرب بعيد . وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات ، فغير دالّ علـى صحة دعواه ، لأن في قول الشاعر : « رأتنـي بحبليها » ، دلالة بـينة في أنها رأته بالحبل مـمسكاً ، ففـي إخباره عنها أنها رأته بحبلـيها إخبـار منه أنها رأته مـمسكاً بـالـحبلين ، فكان فـيـما ظهر من الكلام مستغنى عن ذكر الإمساك ، وكانت البـاء صلة لقوله : « رأتنـي » ، كما فـي قول القائل : أنا بـالله مكتف بنفسه ، ومعرفة السامع معناه أن تكون البـاء مـحتاجة إلـى كلام يكون لها جالبـاً غير الذي ظهر ، وأن الـمعنى أنا بـالله مستعين . وقال بعض نـحويـي البصرة : قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } استثناء خارج من أوّل الكلام ، قال : ولـيس ذلك بأشدّ من قوله : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَـٰماً } . وقال آخرون من نـحويـي الكوف : هو استثناء متصل . والـمعنى : ضربت علـيهم الذلة أينـما ثقـفوا : أي بكلّ مكان ، إلا بـموضع حبل من الله ، كما تقول : ضربت علـيهم الذلة فـي الأمكنة إلا فـي هذا الـمكان ، وهذا أيضاً طلب الـحقّ ، فأخطأ الـمفصل ، وذلك أنه زعم أنه استثناء متصل ، ولو كان متصلاً كما زعم لوجب أن يكون القوم إذا ثقـفوا بحبل من الله وحبل من الناس غير مضروبة علـيهم الـمسكنة ، ولـيس ذلك صفة الـيهود لأنهم أينـما ثقـفوا بحبل من الله وحبل من الناس ، أو بغير حبل من الله عزّ وجلّ ، وغير حبل من الناس ، فـالذلة مضروبة علـيهم علـى ما ذكرنا عن أهل التأويـل قبل . فلو كان قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } استثناء متصلاً لوجب أن يكون القوم إذا ثقـفوا بعهد وذمة ، أن لا تكون الذلة مضروبة علـيهم . وذلك خلاف ما وصفهم الله به من صفتهم ، وخلاف ما هم به من الصفة ، فقد تبـين أيضاً بذلك فساد قول هذا القائل أيضاً . ولكن القول عندنا أن البـاء فـي قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } أدخـلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتض فـي الـمعنى البـاء ، وذلك أن معنى قولهم : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ } : ضربت علـيهم الذلة بكل مكان ثقـفوا ، ثم قال : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } علـى غير وجه الاتصال بـالأول ، ولكنه علـى الانقطاع عنه ، ومعناه : ولكن يثقـفون بحبل من الله وحبل من الناس ، كما قـيـل : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] فـالـخطأ وإن كان منصوبـاً بـما عمل فـيـما قبل الاستنثاء ، فلـيس قوله بـاستثناء متصل بـالأوّل بـمعنى إلا خطأ ، فإن له قتله كذلك ، ولكن معناه : ولكن قد يقتله خطأ ، فكذلك قوله : { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } وإن كان الذي جلب البـاء التـي بعد إلا الفعل الذي يقتضيها قبل إلا ، فليس الإستثناء بالإستثناء المتصل بالذي قبله بمعنى أن القوم إذا لقوا ، فالذلة زائلة عنهم ، بل الذلة ثابتة بكلّ حال ، ولكن معناه ما بينا آنفاً . القول في تأويل قوله تعالـى : { وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلاْنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } . يعنـي تعالـى ذكره : { وَبَاءوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } : وتـحملوا غضب الله ، فـانصرفوا به مستـحقـيه . وقد بـينا أصل ذلك بشواهده ، ومعنى الـمسكنة ، وأنها ذلّ الفـاقة والفقر وخشوعهما ، ومعنى الغضب من الله فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } يعنـي جلّ ثناؤه بقوله ذلك : أي بوؤهم الذي بـاءوا به من غضب الله ، وضرب الذلة علـيهم ، بدل مـما كانوا يكفرون بآيات الله ، يقول : مـما كانوا يجحدون أعلام الله وأدلته علـى صدق أنبـيائه ، وما فرض علـيهم من فرائضه . { وَيَقْتُلُونَ ٱلأنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يقول : وبـما كانوا يقتلون أنبـياءهم ورسل الله إلـيهم ، اعتداء علـى الله ، وجراءة علـيه بـالبـاطل ، وبغير حقّ استـحقوا منهم القتل . فتأويـل الكلام : ألزموا الذلة بأيّ مكان لقوا ، إلا بذمة من الله وذمة من الناس ، وانصرفوا بغضب من الله متـحملـيه ، وألزموا ذلّ الفـاقة ، وخشوع الفقر ، بدلاً مـما كانوا يجحدون بآيات الله ، وأدلته وحججه ، ويقتلون أنبـياءه بغير حقّ ظلـماً واعتداء . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } . يقول تعالـى ذكره : فعلنا بهم ذلك بكفرهم ، وقتلهم الأنبـياء ، ومعصيتهم ربهم ، واعتدائهم أمر ربهم . وقد بـينا معنى الاعتداء فـي غير موضع فـيـما مضى من كتابنا بـما فـيه الكفـاية عن إعادته . فأعلـم ربنا جلّ ثناؤه عبـاده ، ما فعل بهؤلاء القوم من أهل الكتاب ، من إحلال الذلة والـخزي بهم فـي عاجل الدنـيا ، مع ما ادّخر لهم فـي الآجل من العقوبة والنكال ، وألـيـم العذاب ، إذ تعدّوا حدود الله ، واستـحلوا مـحارمه ، تذكيراً منه تعالـى ذكره لهم ، وتنبـيهاً علـى موضع البلاء الذي من قبله أتوا لـينـيبوا ويذَّكروا ، وعظة منه لأمتنا ، أن لا يستنوا بسنتهم ، ويركبوا منهاجهم ، فـيسلك بهم مسالكهم ، ويحلّ بهم من نقم الله ومثلاته ما أحلّ بهم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } اجتنبوا الـمعصية والعدوان ، فإن بهما أهلك من أهلك قبلكم من الناس