Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-120)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بقوله تعالـى ذكره : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } إنْ تَنالُوا أيها الـمؤمنون سروراً بظهوركم علـى عدوّكم ، وتتابع الناس فـي الدخول فـي دينكم ، وتصديق نبـيكم ، ومعاونتكم علـى أعدائكم ، يسؤهم . وإن تنلكم مساءة بإخفـاق سرية لكم ، أو بإصابة عدوّ لكم منكم ، أو اختلاف يكون بـين جماعتكم يفرحوا بها . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } ، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهوراً علـى عدوّهم ، غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافـاً أو أصيب طرف من أطراف الـمسلـمين سرّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به ، فهم كلـما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته وأوطأ مـحلته ، وأبطل حجته ، وأظهر عورته ، فذاك قضاء الله فـيـمن مضى منهم وفـيـمن بقـي إلـى يوم القـيامة . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } قال : هم الـمنافقون إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهوراً علـى عدوّهم ، غاظهم ذلك غيظاً شديداً وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافـاً ، أو أصيب طرف من أطراف الـمسلـمين ، سرّهم ذلك وأعجبوا به قال الله عزّ وجلّ : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } قال : إذا رأوا من الـمؤمنـين جماعة وألفة ساءهم ذلك ، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافـاً فرحوا . وأما قوله : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } فإنه يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وإن تصبروا أيها الـمؤمنون علـى طاعة الله ، واتبـاع أمره فـيـما أمركم به ، واجتناب ما نهاكم عنه ، من اتـخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء الـيهود الذين وصف الله صفتهم من دون الـمؤمنـين ، وغير ذلك من سائر ما نهاكم ، وتتقوا ربكم ، فتـخافوا التقدم بـين يديه فـيـما ألزمكم ، وأوجب علـيكم من حقه وحقّ رسوله ، لا يضرّكم كيدهم شيئاً : أي كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم . ويعنـي بكيدهم : غوائلهم التـي يبتغونها للـمسلـمين ومكرهم بهم لـيصدّوهم عن الهدى وسبـيـل الـحقّ . واختلف القراء فـي قراءة قوله : { لاَ يَضُرُّكُمْ } فقرأ ذلك جماعة من أهل الـحجاز وبعض البصريـين : « لا يَضِرْكُمْ » مخففة بكسر الضاد من قول القائل : ضارنـي فلان فهو يضيرنـي ضَيْراً ، وقد حكي سماعاً من العرب : ما ينفعنـي ولا يضورنـي . فلو كانت قرئت علـى هذه اللغة لقـيـل : لا يضركم كيدهم شيئاً ، ولكنـي لا أعلـم أحداً قرأ به ، وقرأ ذلك جماعة من أهل الـمدينة وعامة قراء أهل الكوفة : { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } بضم الضاد وتشديد الراء من قول القائل : ضرّنـي فلان فهو يضرّنـي ضرًّا . وأما الرفع فـي قوله : { لاَ يَضُرُّكُمْ } فمن وجهين : أحدهما علـى إتبـاع الراء فـي حركتها ، إذ كان الأصل فـيها الـجزم ، ولـم يـمكن جزمها لتشديدها أقرب حركات الـحروف التـي قبلها ، وذلك حركة الضاد ، وهي الضمة ، فألـحقت بها حركة الراء لقربها منها ، كما قالوا : مُدُّ يا هذا . والوجه الآخر من وجهي الرفع فـي ذلك : أن تكون مرفوعة علـى صحة ، وتكون « لا » بـمعنى « لـيس » ، وتكون الفـاء التـي هي جواب الـجزاء متروكة لعلـم السامع بـموضعها . وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويـل الكلام : وإن تصبروا وتتقوا فلـيس يضرّكم كيدهم شيئاً ، ثم تركت الفـاء من قوله : { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } ووجهت « لا » إلـى معنى « لـيس » ، كما قال الشاعر : @ فإنْ كانَ لا يُرْضِيكَ حتـى تَرُدَّنِـي إلـى قَطَرِيٍّ لا إخالُكَ رَاضِيا @@ ولو كانت الراء مـحركة إلـى النصب والـخفض كان جائزاً ، كما قـيـل : مُدَّ يا هذا ، ومُدِّ . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } يقول جل ثناؤه : إن الله بـما يعمل هؤلاء الكفـار فـي عبـاده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبـيـله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله ، مـحيط بجميعه ، حافظ له لا يعزب عنه شيء منه ، حتـى يوفـيهم جزاءهم علـى ذلك كله ويذيقهم عقوبته علـيه .