Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-121)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ } : وإن تصبروا وتتقوا لا يضرّكم أيها الـمؤمنون كيد هؤلاء الكفار من الـيهود شيئاً ، ولكن الله ينصركم علـيهم إن صبرتـم علـى طاعتـي ، واتبـاع أمر رسولـي ، كما نصرتكم ببدر وأنتـم أذلة . وإن أنتـم خالفتـم أيها الـمؤمنون أمري ، ولـم تصبروا علـى ما كلفتكم من فرائضي ، ولـم تتقوا ما نهيتكم عنه ، وخالفتـم أمري ، وأمر رسولـي ، فإنه نازل بكم ما نزل بكم بأحد ، واذكروا ذلك الـيوم إذ غدا نبـيكم يبوّىء الـمؤمنـين فترك ذكر الـخبر عن أمر القوم إن لـم يصبروا علـى أمر ربهم ولـم يتقوه اكتفـاء بدلالة ما ظهر من الكلام علـى معناه ، إذ ذكر ما هو فـاعل بهم من صرف كيد أعدائهم عنهم ، إن صبروا علـى أمره ، واتقوا مـحارمه ، وتعقـيبه ذلك بتذكيرهم ما حلّ بهم من البلاء بأحد ، إذ خالف بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنازعوا الرأي بـينهم . وأخرج الـخطاب فـي قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } علـى وجه الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والـمراد بـمعناه الذين نهاهم أن يتـخذ الكفـار من الـيهود بطانة من دون الـمؤمنـين ، فقد بـيّن إذاً أن قوله : « وإذ » إنـما جرّها فـي معنى الكلام علـى ما قد بـينت وأوضحت . وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـيوم الذي عنى الله عزّ وجلّ بقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } فقال بعضهم : عَنَى بذلك يَوْمَ أحد . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } قال : مشى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ علـى رجلـيه يبوّىء الـمؤمنـين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } ذلك يوم أحد ، غدا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم من أهله إلـى أحد يبوىء الـمؤمنـين مقاعد للقتال . حُدثت عن عمار ، عن ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } فغدا النبـيّ صلى الله عليه وسلم من أهله إلـى أحد يبوّىء الـمؤمنـين مقاعد للقتال . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } فهو يوم أحد . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال : هنا يوم أحد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : مـما نزل فـي يوم أحد : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقال آخرون : عَنَى بذلك يوم الأحزاب . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قال : ثنا عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } قال : يعنـي مـحمداً صلى الله عليه وسلم غداً يبوّىء الـمؤمنـين مقاعد للقتال يوم الأحزاب . وأولـى هذين القولـين بـالصواب ، قول من قال : عنى بذلك : يوم أحد لأن الله عزّ وجلّ يقول فـي الآية التـي بعدها : { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } [ آل عمران : 122 ] ولا خلاف بـين أهل التأويـل أنه عنى بـالطائفتـين بنو سلـمة وبنو حارثة . ولا خلاف بـين أَهل السير والـمعرفة بـمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنـما كان يوم أحد دون يوم الأحزاب . فإن قال لنا قائل : وكيف يكون ذلك يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنـما راح إلـى أحد من أهله للقتال يوم الـجمعة بعد ما صلـى الـجمعة فـي أهله بـالـمدينة بـالناس ، كالذي : حدثكم ابن حميد ، قال : حدثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن مسلـم بن عبـيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ومـحمد بن يحيـى بن حبـان ، وعاصم بن عمر بن قتادة والـحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علـمائنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راح حين صلـى الـجمعة إلـى أحد ، دخـل فلبس لأمَتَهُ ، وذلك يوم الـجمعة حين فرغ من الصلاة ، وقد مات فـي ذلك الـيوم رجل من الأنصار ، فصلـى علـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج علـيهم وقال : " ما يَنْبَغِي لنبـيٍّ إذا لَبَسَ لأْمَتَهُ أنْ يَضَعَها حتـى يُقاتِلَ " ؟ . قـيـل : إن النبـيّ صلى الله عليه وسلم وإن كان خروجه للقوم كان رَواحاً فلـم يكن تبوئته للـمؤمنـين مقاعدهم للقتال عند خروجه ، بل كان ذلك قبل خروجه لقتال عدوه وذلك أن الـمشركين نزلوا منزلهم من أحد فـيـما بلغنا يوم الأربعاء ، فأقاموا به ذلك الـيوم ويوم الـخميس ويوم الـجمعة ، حتـى راح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيهم يوم الـجمعة بعد ما صلـى بأصحابه الـجمعة ، فأصبح بـالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوّال . حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري ، ومـحمد بن يحيـى بن حبـان ، وعاصم بن عمر بن قتادة والـحصين بن عبد الرحمن وغيرهم . فإن قال : وكيف كانت تبوئته الـمؤمنـين مقاعد للقتال غدوّاً قبل خروجه ، وقد علـمت أن التبوئة اتـخاذ الـموضع ؟ قـيـل : كانت تبوئته إياهم ذلك قبل مناهضته عدوّه عند مشورته علـى أصحابه بـالرأي الذي رآه لهم بـيوم أو يومين . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما سمع بنزول الـمشركين من قريش وأتبـاعها أُحُداً ، قال فـيـما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط عن السديّ لأصحابه : « أشِيرُوا عَلـيَّ ما أصْنَع ؟ » فقالوا : يا رسول الله اخرج إلـى هذه الأكلب . فقالت الأنصار : يا رسول الله ما غلبنا عدوّ لنا أتانا فـي ديارنا ، فكيف وأنت فـينا ؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبـيّ ابن سلول ، ولـم يدعه قط قبلها ، فـاستشاره فقال : يا رسول الله اخرج بنا إلـى هذه الأكلب . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدخـلوا علـيه الـمدينة ، فـيقاتَلوا فـي الأزقة ، فأتاه النعمان بن مالك الأنصاريّ ، فقال : يا رسول الله ، لا تـحرمنـي الـجنة ، فوالذي بعثك بـالـحقّ لأدخـلنّ الـجنة ! فقال له : « بـم ؟ » قال : بأنـي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأنـي لا أفرّ من الزحف . قال : « صَدَقْتَ ؟ » فقتل يومئذٍ . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها ، فلـما رأوه وقد لبس السلاح ، ندموا ، وقالوا : بئسما صنعنا ، نشير علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتـيه ! فقاموا واعتذروا إلـيه ، وقالوا : اصنع ما رأيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَنْبَغِي لِنَبِـيّ أنْ يَـلْبَسَ لأُمَتَهُ فَـيَضَعَها حتـى يُقاتِلَ " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي ابن شهاب الزهري ومـحمد بن يحيـى بن حبـان وعاصم بن عمر بن قتادة ، والـحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علـمائنا قالوا : لـما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون بـالـمشركين قد نزلوا منزلهم من أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّـي قَدْ رأيْتُ بَقَراً فأوَّلْتُها خَيْراً ، ورأيْتُ فِـي ذُبـابِ سَيْفِـي ثَلْـماً ، ورأيْتُ أنّـي أدْخَـلْتُ يَدِي فِـي دِرْعٍ حَصِينَةٍ ، فأوَّلْتُها الـمَدِينَةَ فإنْ رأيْتُـمْ أنْ تُقـيـمُوا بـالـمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا ، فإنْ أقامُوا أقامُوا بِشَرّ مُقامٍ ، وَإنْ هُمْ دَخَـلُوا عَلَـيْنا قاتَلْناهُمْ فِـيها " وكان رأي عبد الله بن أبـيّ ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ذلك أن لا يخرج إلـيهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الـخروج من الـمدينة ، فقال رجال من الـمسلـمين مـمن أكرمهم الله بـالشهادة يوم أحد وغيرهم مـمن كان فـاته بدر وحضروه : يا رسول الله ، اخرج بنا إلـى أعدائنا لا يرون أنا جبنّا عنهم وضعفنا ! فقال عبد الله بن أبـيّ بن سلول : يا رسول الله أقم بـالـمدينة لا تـخرج إلـيهم ، فوالله ما خرجنا منها إلـى عدوّ لنا قط إلا أصاب منا ، ولا دخـلها علـينا قط إلا أصبنا منه ! فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مـحبس ، وإن دخـلوا قاتلهم الرجال فـي وجوههم ، ورماهم النساء والصبـيان بـالـحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبـين كما جاءوا . فلـم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان من أمرهم حبّ لقاء القوم حتـى دخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلبس لأمته . فكانت تبوئة رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمؤمنـين مقاعد للقتال ، ما ذكرنا من مشورته علـى أصحابه بـالرأي الذي ذكرنا علـى ما وصفه الذين حكينا قولهم يقال منه : بوّأت القوم منزلاً وبوّأته لهم فأنا أبوّئهم الـمنزل تبوئة ، وأبوىء لهم منزلاً تبوئة . وقد ذكر أن فـي قراءة عبد الله بن مسعود : « وَإذْ غَدَوْتَ مِنْ أهْلِكَ تُبَوّىءُ الْـمُؤْمِنِـينَ مَقاعِدَ للْقِتالِ » وذلك جائز ، كما يقال : رَدِفَكَ وَردِفَ لك ، ونقدت لها صداقها ونقدتها ، كما قال الشاعر : @ أسْتَغْفِرُ اللّهَ ذَنْبـاً لَسْتُ مُـحْصِيَهُ رَبَّ العِبـادِ إلـيهِ الوَجْهِ وَالعَمَلُ @@ والكلام : أستغفر الله لذنب . وقد حكي عن العرب سماعاً : أبأت القوم منزلاً فأنا أبـيئهم إبـاءة ، ويقال منه : أبأت الإبل : إذا رددتها إلـى الـمبـاءة ، والـمبـاءة : الـمراح الذي تبـيت فـيه ، والـمقاعد : جمع مقعد وهو الـمـجلس . فتأويـل الكلام : واذكر إذ غدوت يا مـحمد من أهلك تتـخذ للـمؤمنـين معسكراً وموضعاً لقتال عدوّهم . وقوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يعنـي بذلك تعالـى ذكره : والله سميع لـما يقول الـمؤمنون لك ، فـيـما شاورتهم فـيه من موضع لقائك ولقائهم عدوّك وعدوّهم من قول من قال : اخرج بنا إلـيهم حتـى نلقاهم خارج الـمدينة ، وقول من قال لك : لا تـخرج إلـيهم وأقم بـالـمدينة حتـى يدخـلوها علـينا ، علـى ما قد بـينا قبل ، ومـما تشير به علـيهم أنت يا مـحمد . علـيـم بأصلـح تلك الآراء لك ولهم ، وبـما تـخفـيه صدور الـمشيرين علـيك بـالـخروج إلـى عدوّك ، وصدور الـمشيرين علـيك بـالـمقام فـي الـمدينة ، وغير ذلك من أمرك وأمورهم . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق فـي قوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } : أي سميع لـما يقولون ، علـيـم بـما يخفون .