Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 134-134)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاءِ } أُعدت الـجنة التـي عرضها السموات والأرض للـمتقـين ، وهم الـمنفقون أموالهم فـي سبـيـل الله ، إما فـي صرفه علـى مـحتاج ، وإما فـي تقوية مضعف علـى النهوض للـجهاد فـي سبـيـل الله . وأما قوله : { فِى السَّرَّاء } فإنه يعنـي : فـي حال السرور بكثرة الـمال ، ورخاء العيش والسرّاء : مصدر من قولهم سرّنـي هذا الأمر مسرّة وسروراً والضراء : مصدر من قولهم : قد ضرّ فلان فهو يضرّ إذا أصابه الضرّ ، وذلك إذا أصابه الضيق والـجهد فـي عيشه . حدثنا مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } يقول : فـي العسر والـيسر . فأخبر جلّ ثناؤه أن الـجنة التـي وصف صفتها لـمن اتّقاه وأنفق ماله فـي حال الرخاء والسعة وفـي حال الضيق والشدة فـي سبـيـله . وقوله : { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } يعني : والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه ، يقال منه : كظم فلان غيظه : إذا تـجرّعه فحفظ نفسه من أن تـمضي ما هي قادرة على إمضائه بـاستـمكانها مـمن غاظها وانتصارها مـمن ظلـمها . وأصل ذلك من كظم القربة ، يقال منه : كظمتُ القربة : إذا ملأتها ماء ، وفلان كظيم ومكظوم إذا كان مـمتلئاً غمّاً وحزناً ، ومنه قول الله عزّ وجلّ ، { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } يعني ممتلىء من الحزن ، ومنه قيل لمجاري المياه الكظائم لامتلائها بالماء ، ومن قيل : أخذت بكظمه يعني بمجاري نفسه . والغيظ : مصدر من قول القائل : غاظني فلان فهو يغيظنـي غيظاً ، وذلك إذا أحفظه وأغضبه . وأما قوله : { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } فإنه يعنـي : والصافحين عن الناس عقوبة ذنوبهم إلـيهم ، وهم علـى الانتقام منهم قادرون ، فتاركوها لهم . وأما قوله { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } فإنه يعنـي : فإن الله يحبّ من عمل بهذه الأمور التـي وصف أنه أعدّ للعاملـين بها الـجنة التـي عرضها السموات والأرض . والعاملون بها هم الـمـحسنون ، وإحسانهم هو عملهم بها . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } … الآية : { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي وذلك الإحسان ، وأنا أحبّ من عمل به . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } : قوم أنفقوا فـي العسر والـيسر ، والـجهد والرخاء ، فمن استطاع أن يغلب الشرّ بـالـخير فلـيفعل ، ولا قوّة إلا بـالله ، فنعمت والله يا ابن آدم الـجرعة تـجترعها من صبر وأنت مغيظ وأنت مظلوم . حدثنـي موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا مـحمد بن بشر ، قال : ثنا مـحرز أبو رجاء ، عن الـحسن ، قال : يقال يوم القـيامة : لـيقم من كان له علـى الله أجر ! فما يقوم إلا إنسان عفـا . ثم قرأ هذه الآية : { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا داود بن قـيس ، عن زيد بن أسلـم ، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الـجلـيـل ، عن عمّ له ، عن أبـي هريرة فـي قوله : { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ كَظَمَ غَيْظا وَهُوَ يَقْدِرُ علـى إنْفَـاذِهِ مَلأَهُ اللَّهُ أمْناً وإيـماناً " حدثنـي مـحمد بن سعد قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } … إلـى الآية : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، فـالكاظمين الغيظ كقوله : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] يغضبون فـي الأمر لو وقعوا به كان حراماً فـيغفرون ويعفون ، يـلتـمسون بذلك وجه الله { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } كقوله : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ } [ النور : 22 ] … إلـى : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ النور : 22 ] يقول : لا تقسموا علـى أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا .