Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 193-193)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمنادي الذي ذكره الله تعالـى فـي هذه الآية ، فقال بعضهم : الـمنادي فـي هذا الـموضع القرآن . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا قبـيصة بن عقبة ، ثنا سفـيان ، عن موسى بن عبـيدة ، عن مـحمد بن كعب : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } قال : هو الكتاب ، لـيس كلهم لقـي النبـي صلى الله عليه وسلم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا منصور بن حكيـم ، عن خارجة ، عن موسى بن عبـيدة ، عن مـحمد بن كعب القرظي ، فـي قوله : { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } قال : لـيس كل الناس سمع النبـي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الـمنادي : القرآن . وقال آخرون : بل هو مـحمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } قال : هو مـحمد صلى الله عليه وسلم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } قال : ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـحمد بن كعب ، وهو أن يكون الـمنادي القرآن لأن كثـيراً مـمن وصفهم الله بهذه الصفة فـي هذه الآيات لـيسوا مـمن رأى النبـي صلى الله عليه وسلم ولا عاينه ، فسمعوا دعاءه إلـى الله تبـارك وتعالـى ونداءه ، ولكنه القرآن . وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبراً عن الـجن إذ سمعوا كلام الله يتلـى علـيهم أنهم قالوا : { إنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَبَاً يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ } [ ] . وبنـحو ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } إلـى قوله : { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلاْبْرَارِ } سمعوا دعوة من الله فأجابوها ، فأحسنوا الإجابة فـيها ، وصبروا علـيها ، ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال ، وعن مؤمن الـجنّ كيف قال . فأما مؤمن الـجنّ ، فقال : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } [ الجن : 1 - 2 ] وأما مؤمن الإنس ، فقال : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ أَنْ ءامِنُواْ بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنا } … الآية . وقيل : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } يعني : ينادي إلـى الإيمان ، كما قال تعالى ذكره : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } [ الأعراف : 43 ] بمعنى : هدانا إلـى هذا ، وكما قال الراجز . @ أوْحَى لها القَرَارَ فاسْتَقَرَّتِ وَشَدَّها بالرَّاسياتِ الثُّبَّتِ @@ بمعنى : أوحى إليها ، ومنه قوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزله : 5 ] . وقيل : يحتمل أن يكون معناه : إننا سمعنا منادياً للإيـمان ينادي أن آمنوا بربكم . فتأويـل الآية إذاً : ربنا سمعنا داعياً يدعو إلـى الإيـمان يقول إلـى التصديق بك ، والإقرار بوحدانـيتك ، واتبـاع رسولك وطاعته ، فـيـما أمرنا به ، ونهانا عنه ، مـما جاء به من عندك فآمنا ربنا ، يقول : فصدقنا بذلك يا ربنا ، فـاغفر لنا ذنوبنا ، يقول : فـاستر علـينا خطايانا ، ولا تفضحنا بها فـي القـيامة علـى رؤوس الأشهاد ، بعقوبتك إيانا علـيها ، ولكن كفرها عنا ، وسيئات أعمالنا فـامـحها بفضلك ورحمتك إيانا ، وتَوفنا مع الأبرار ، يعنـي بذلك : واقبضنا إلـيك إذا قبضتنا إلـيك فـي عداد الأبرار ، واحشرنا مـحشرهم ومعهم والأبرار جمع برّ ، وهم الذين بروا الله تبـارك وتعالـى بطاعتهم إياه وخدمتهم له ، حتـى أرضوه فرضي عنهم .