Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا نهي من الله عزّ وجلّ الـمؤمنـين أن يتـخذوا الكفـار أعواناً وأنصاراً وظهوراً ، ولذلك كسر « يتـخذ » لأنه فـي موضع جزم بـالنهي ، ولكنه كسر الذال منه للساكن الذي لقـيه وهي ساكنة . ومعنى ذلك : لا تتـخذوا أيها الـمؤمنون الكفـار ظهراً وأنصاراً ، توالونهم علـى دينهم ، وتظاهرونهم علـى الـمسلـمين من دون الـمؤمنـين ، وتدلونهم علـى عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فلـيس من الله فـي شيء يعنـي بذلك ، فقد برىء من الله ، وبرىء الله منه بـارتداده عن دينه ، ودخوله فـي الكفر ، إلا أن تتقوا منهم تقاة ، إلا أن تكونوا فـي سلطانهم ، فتـخافوهم علـى أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم علـى ما هم علـيه من الكفر ، ولا تعينوهم علـى مسلـم بفعل . كما : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال : نهى الله سبحانه الـمؤمنـين أن يلاطفوا الكفـار ، أو يتـخذوهم ولـيجة من دون الـمؤمنـين ، إلا أن يكون الكفـار علـيهم ظاهرين ، فـيظهرون لهم اللطف ، ويخالفونهم فـي الدين . وذلك قوله : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنـي مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس قال : كان الـحجاج بن عمرو حلـيف كعب بن الأشرف وابن أبـي الـحقـيق ، وقـيس بن زيد ، قد بطنوا بنفر من الأنصار لـيفتنوهم عن دينهم . فقال رفـاعة بن الـمنذر بن زبـير وعبد الله بن جبـير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء الـيهود ، واحذروا لزومهم ومبـاطنتهم ، لا يفتنوكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر إلا مبـاطنتهم ولزومهم ، فأنزل الله عزّ وجل : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } … إلـى قوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } . حدثنا محمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا عبـاد بن منصور ، عن الحسن فـي قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يقول : لا يتـخذ الـمؤمن كافراً ولـياً من دون الـمؤمنـين . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } إلـى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } أما أولـياء : فـيوالـيهم فـي دينهم ، ويظهرهم علـى عورة الـمؤمنـين ، فمن فعل هذا فهو مشرك ، فقد برىء الله منه ، إلا أن يتقـي منهم تقاة ، فهو يظهر الولاية لهم فـي دينهم والبراءة من الـمؤمنـين . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا قبـيصة بن عقبة ، قال : ثنا سفـيان ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن ابن عبـاس : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : التقاة : التكلـم بـاللسان ، وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الـحكم بن أبـان ، عن عكرمة فـي قوله : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : ما لـم يهرق دم مسلـم ، وما لـم يستـحل ماله . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } إلا مصانعة فـي الدنـيا ومخالقة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع فـي قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } إلـى : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : قال أبو العالـية : التقـية بـاللسان ولـيس بـالعمل . حدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ قال : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : التقـية بـاللسان مَنْ حُمِلَ علـى أمر يتكلـم به وهو لله معصية ، فتكلـم مخافة علـى نفسه ، وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان ، فلا إثم علـيه ، إنـما التقـية بـاللسان . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } فـالتقـية بـاللسان : من حمل علـى أمر يتكلـم به وهو معصية لله فـيتكلـم به مخافة الناس وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان ، فإن ذلك لا يضرّه ، إنـما التقـية بـاللسان . وقال آخرون : معنى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } إلا أن يكون بـينك وبـينه قرابة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } نهى الله الـمؤمنين أن يوادّوا الكفـار أو يتولوهم دون المؤمنين ، وقال الله : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } الرحم من المشركين من غير أن يتولوهم فـي دينهم ، إلا أن يصل رحماً له فـي المشركين . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء } قال : لا يحلّ لـمؤمن أن يتـخذ كافراً ولـياً فـي دينه ، وقوله : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : أن يكون بـينك وبـينه قرابة ، فتصله لذلك . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قال : ثنا عبـاد بن منصور ، عن الـحسن فـي قوله : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال : صاحبهم فـي الدنـيا معروفـاً الرحم وغيره ، فأما فـي الدين فلا . وهذا الذي قاله قتادة تأويـل له وجه ، ولـيس بـالوجه الذي يدلّ علـيه ظاهر الآية : إلا أن تتقوا من الكافرين تقاة . فـالأغلب من معانـي هذا الكلام : إلا أن تـخافوا منهم مخافة . فـالتقـية التـي ذكرها الله فـي هذه الآية إنـما هي تقـية من الكفـار ، لا من غيرهم ، ووجهه قتادة إلـى أن تأويـله : إلا أن تتقوا الله من أجل القرابة التـي بـينكم وبينهم تقاة ، فتصلون رحمها . ولـيس ذلك الغالب علـى معنى الكلام والتأويـل فـي القرآن علـى الأغلب الظاهر من معروف كلام العرب الـمستعمل فيهم . وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } علـى تقدير فعلة مثل تـخمة وتؤدة وتكأة من اتقـيت ، وقرأ ذلك آخرون : « إلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تَقِـيَّةً » علـى مثال فعيـلة . والقراءة التـي هي القراءة عندنا ، قراءة من قرأها : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } لثبوت حجة ذلك بأنه القراءة الصحيحة ، بـالنقل الـمستفـيض الذي يـمتنع منه الـخطأ . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَيُحَذّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } . يعنـي تعالـى ذكره بذلك : ويخوّفكم الله من نفسه أن تركبوا معاصيه أو توالوا أعداءه ، فإن لله مرجعكم ومصيركم بعد مـماتكم ، ويوم حشركم لـموقـف الـحساب ، يعنـي بذلك : متـى صرتـم إلـيه ، وقد خالفتـم ما أمركم به ، وأتـيتـم ما نهاكم عنه من اتـخاذ الكافرين أولـياء من دون الـمؤمنـين ، نالكم من عقاب ربكم ما لا قبل لكم به ، يقول : فـاتقوه واحذوره أن ينالكم ذلك منه ، فإنه شديد العذاب .