Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 41-41)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه خبراً عن زكريا ، قال زكريا : يا ربّ إن كان هذا النداء الذي نوديته ، والصوت الذي سمعته صوت ملائكتك ، وبشارة منك لـي ، فـاجعل لـي آية ! يقول : علامة أن ذلك كذلك ، لـيزول عنـي ما قد وسوس إلـيّ الشيطان فألقاه فـي قلبـي ، من أن ذلك صوت غير الـملائكة ، وبشارة من عند غيرك . كما : حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } قال : قال يعنـي زكريا ـ : يا ربـيّ فإن كان هذا الصوت منك ، فـاجعل لـي آية . وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الآية ، وأنها العلامة ، بما أغنى عن إعادته . وقد اختلف أهل العربـية فـي سبب ترك العرب همزها ، ومن شأنها همز كل ياء جاءت بعد ألف ساكنة ، فقال بعضهم : ترك همزها لأنها كانت أيَّة ، فثقل علـيهم التشديد ، فأبدلوه ألفـاً لانفتاح ما قبل التشديد ، كما قالوا : أيْـما فلان فأخزاه الله . وقال آخرون منهم : بل هي فـاعلة منقوصة . فسألوا ، فقـيـل لهم ، فما بـال العرب تصغرها أُيَـيَّةٍ ، ولـم يقولوا أُوَيَّة ؟ فقالوا : قـيـل ذلك كما قـيـل فـي فـاطمة : هذه فطيـمة ، فقـيـل لهم : فإنهم يصغرون فـاعلة علـى فُعَيـلة إذا كان اسما فـي معنى فلان وفلانة ، فأما فـي غير ذلك ، فلـيس من تصغيرهم فـاعلة علـى فعيـلة . وقال آخرون : إنه فعلة ، صيرت ياؤها الأولـى ألفـاً ، كما فعل بحاجة وقامة ، فقـيـل لهم : إنـما تفعل العرب ذلك فـي أولاد الثلاثة ، وقال من أنكر ذلك من قـيـلهم : لو كان كما قالوا لقـيـل فـي نواة : ناية ، وفـي حياة : حاية . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلـَٰثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ رَمْزاً } . فعاقبه الله فـيـما ذكر لنا بـمسألته الآية ، بعد مشافهة الـملائكة إياه بـالبشارة ، فجعل آيته علـى تحقيق ما سمع من البشارة من الـملائكة بـيحيـى أنه من عند الله آية من نفسه ، جمع تعالـى ذكره بها العلامة التـي سألها ربه علـى ما يبـين له حقـيقة البشارة أنها من عند الله ، وتـمـحيصاً له من هفوته ، وخطأ قـيـله ومسألته . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } إنـما عوقب بذلك لأن الـملائكة شافهته مشافهة بذلك فبشرته بـيحيـى ، فسأل الآية بعد كلام الـملائكة إياه ، فأخذ علـيه بلسانه ، فجعل لا يقدر علـى الكلام إلا ما أومأ وأشار ، فقال الله تعالـى ذكره كما تسمعون : { آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً } قال : شافهته الـملائكة ، فقال : { رَبِّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } يقول : إلا إيـماء ، وكانت عقوبة عوقب بها ، إذ سأل الآية مع مشافهة الـملائكة إياه بـما بشرته به . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع فـي قوله : { رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } قال : ذكر لنا والله أعلـم أنه عوقب لأن الـملائكة شافهته مشافهة ، فبشرته بـيحيـى ، فسأل الآية بعد ، فأخذ بلسانه . حدثت عن عمار بن الـحسن ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : ذكر لنا والله أعلـم أنه عوقب لأن الـملائمة شافهته فبشرته بـيحيـى ، قالت : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } ، فسأل بعد كلام الـملائكة إياه الآية ، فأخذ علـيه لسانه ، فجعل لا يقدر علـى الكلام إلا رمزاً ، يقول : يومىء إيماء . حدثني أبو عبـيد الرصافـي ، قال : ثنا محمد بن حمير ، قال : ثنا صفوان بن عمرو ، عن جويبر بن نُفـير فـي قوله : { قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } قال : ربـا لسانه فـي فـيه حتـى ملأه ، ثم أطلقه الله بعد ثلاث . وإنما اختارت القرّاء النصب فـي قوله : { أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ } لأن معنى الكلام : قال : آيتك أن لا تكلـم الناس فـيـما يستقبل ثلاثة أيام ، فكانت أن هي التـي تصحب الاستقبـال دون التـي تصحب الأسماء فتنصبها ، ولو كان الـمعنى فـيه : آيتك أنك لا تكلـم الناس ثلاثة أيام : أي أنك علـى هذه الـحال ثلاثة أيام ، كان وجه الكلام الرفع ، لأن « أن » كانت تكون حينئذ بـمعنى الثقـيـلة خففت ، ولكن لـم يكن ذلك جائزاً لـما وصفت من أن ذلك بـالـمعنى الآخر . وأما الرمز ، فإن الأغلب من معانـيه عند العرب : الإيـماء بـالشفتـين ، وقد يستعمل فـي الإيـماء بـالـحاجبـين والعينـين أحياناً ، وذلك غير كثـير فـيهم ، وقد يقال للـخفـيّ من الكلام الذي هو مثل الهمس بخفض الصوت : الرمز ، ومنه قول جوبة بن عائذ : @ وكانَ يُكَلِّـمُ الأبْطالَ رَمْزاً وَهَمْهَمَةً لَهُمْ مِثْلَ الهَدِيرِ @@ يقال منه : رَمَزَ فلان فهو يَرْمِزُ وَيَرْمُزُ رَمْزاً ، ويترمز ترمُّزاً ، ويقال : ضربه ضربة فـارتـمز منها : أي اضطرب للـموت ، قال الشاعر : @ خَرَرْتُ مِنـها لقـفـايَ أرْتَـمِـزْ @@ وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عنى الله عزّ وجلّ به فـي إخبـاره عن زكريا من قوله : { أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } وأيّ معانـي الرمز عنى بذلك ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك : آيتك أن لا تكلـم الناس ثلاثة أيام إلا تـحريكاً بـالشفتـين ، من غير أن ترمز بلسانك الكلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، عن النضر بن عربـي ، عن مـجاهد فـي قوله : { إِلاَّ رَمْزًا } قال : تـحريك الشفتـين . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } قال : إيـماؤه بشفتـيه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وقال آخرون : بل عنى الله بذلك الإيـماء والإشارة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك : { إِلاَّ رَمْزًا } قال : الإشارة . حدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { إِلاَّ رَمْزًا } قال : الرمز : أن يشير بـيده أو رأسه ولا يتكلـم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { إِلاَّ رَمْزًا } قال : الرمز : أن أُخِذَ بلسانه ، فجعل يكلـم الناس بـيده . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { إِلاَّ رَمْزًا } قال : والرمز : الإشارة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } … الآية . قال : جعل آيته أن لا يكلـم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً ، إلا أنه يذكر الله . والرمز : الإشارة ، يشير إلـيهم . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { إِلاَّ رَمْزًا } إلا إيـماء . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، مثله . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { إِلاَّ رَمْزًا } يقول : إشارة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عبد الله بن كثـير : { إِلاَّ رَمْزًا } : إلا إشارة . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن ، فـي قوله : { قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أيَّامٍ إلاَّ رَمْزاً } قال : أُمسِكَ بلسانه ، فجعل يومىء بـيده إلـى قومه : أن سبحوا بكرة وعشياً . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ } . يعنـي بذلك : قال الله جلّ ثناؤه لزكريا : يا زكريا آيتك أن لا تكلـم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً بغير خرس ، ولا عاهة ، ولا مرض { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا } فإنك لا تـمنع ذكره ، ولا يحال بـينك وبـين تسبـيحه وغير ذلك من ذكره . وقد : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي معشر ، عن مـحمد بن كعب ، قال : لو كان الله رخص لأحد فـي ترك الذكر لرخص لزكريا حيث قال : { ءايَتُكَ أَن لا تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا } أيضاً . وأما قوله : { وَسَبّحْ بِٱلْعَشِىّ } فإنه يعنـي : عظم ربك بعبـادته بـالعشيّ . والعشيّ : من حين تزول الشمس إلـى أن تغيب ، كما قال الشاعر : @ فلا الظلَّ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ ولا الفَـيْءَ من بَرْدِ العَشِيّ تَذُوقُ @@ فـالفـيء إنـما تبتدىء أوبته عند زوال الشمس ، وتتناهى بـمغيبها . وأما الإبكار : فإنه مصدر من قول القائل : أبكر فلان فـي حاجة ، فهو يُبْكِرُ إبكاراً ، وذلك إذا خرج فـيها من بـين مطلع الفجر إلـى وقت الضحى ، فذلك إبكار ، يقال فـيه : أبكر فلان ، وبكر يَبْكُرُ بكورا . فمن الإبكار قول عمر بن أبـي ربـيعة : @ أمِنْ آلِ نُعْـمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِـرُ @@ ومن البكور قول جرير : @ ألا بَكَرَتْ سَلْـمَى فَجَدَّ بُكُورُها وَشَقَّ العَصَا بعد اجتـماعٍ أميرُها @@ ويقال من ذلك : بكر النـخـل يبكُر بكوراً ، وأبكر يُبْكِر إبكاراً ، والبـاكور من الفواكه : أوّلها إدراكاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ } قال : الإبكار : أوّل الفجر ، والعشيّ ، ميـل الشمس حتـى تغيب . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله .