Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 49-49)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { وَرَسُولاً } : ونـجعله رسولاً إلـى بنـي إسرائيـل ، فترك ذكر « ونـجعله » ، لدلالة الكلام علـيه ، كما قال الشاعر : @ ورأيتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَى مُتَقَلِّداً سَيْفـاً وَرُمْـحا @@ وقوله : { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } بـمعنى : ونـجعله رسولاً إلـى بنـي إسرائيـل بأنه نبـيّ وبشير ونذير وحجتـي عن صدقـي علـى ذلك ، أنـي قد جئتكم بآية من ربكم ، يعنـي بعلامة من ربكم تـحقق قولـي وتصدّق خبري ، أنـي رسول من ربكم إلـيكم . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَّبّكُمْ } أي تـحقق بها نبوّتـي ، وأنـي رسول منه إلـيكم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : ورسولاً إلـى بنـي إسرائيـل أنـي قد جئتكم بآية من ربكم . ثم بـين عن الآية ما هي ، فقال : { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ } . فتأويـل الكلام : ورسولاً إلـى بنـي إسرائيـل بأنـي قد جئتكم بآية من ربكم بأن أخـلق لكم من الطين كهيئة الطير . والطير جمع طائر . واختلفت القراء فـي قراءة ذلك ، فقرأه بعض أهل الـحجاز : « كهيئة الطائر فأنفخ فـيه فـيكون طائراً » ، علـى التوحيد . وقرأه آخرون : { كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا } علـى الـجماع كلـيهما . وأعجب القراءات إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ : { كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا } ، علـى الـجماع فـيهما جميعاً ، لأن ذلك كان من صفة عيسى أنه يفعل ذلك بإذن الله ، وأنه موفق لـخط الـمصحف ، واتبـاع خط الـمصحف مع صحة الـمعنى ، واستفـاضة القراءة به أعجب إلـيّ من خلاف الـمصحف . وكان خـلق عيسى : ما كان يخـلق من الطير . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنا ابن إسحاق : أن عيسى صلوات الله علـيه ، جلس يوماً مع غلـمان من الكتاب ، فأخذ طيناً ، ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائراً ؟ قالوا : وتستطيع ذلك ؟ قال : نعم بإذن ربـي ! ثم هيأه حتـى إذا جعله فـي هيئة الطائر نفخ فـيه ، ثم قال : كن طائراً بإذن الله فخرج يطير بـين كفـيه ، فخرج الغلـمان بذلك من أمره فذكروه لـمعلـمهم ، فأفشوه فـي الناس . وترعرع . فهمّت به بنو إسرائيـل ، فلـما خافت أمه علـيه حملته علـى حُمَيِّر لها ثم خرجت به هاربة . وذكر أنه لـما أراد أن يخـلق الطير من الطين سألهم : أيّ الطير أشدّ خـلقاً ؟ فقـيـل له الـخفـاش . كما : حدثنا القاسم قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قوله : { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } قال : أيّ الطير أشدّ خـلقاً ؟ قالوا : الـخفـاش إنـما هو لـحم ، قال ففعل . فإن قال قائل : وكيف قـيـل : { فَأَنفُخُ فِيهِ } وقد قـيـل : { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } ؟ قـيـل : لأن معنى الكلام : فأنفخ فـي الطير . ولو كان ذلك : فأنفخ فـيها ، كان صحيحاً جائزاً ، كما قال فـي الـمائدة : « فأنْفُخُ فِـيها » يريد : فأنفخ فـي الهيئة ، وقد ذكر أن ذلك فـي إحدى القراءتـين : « فأنفخها » ، بغير « فـي » ، وقد تفعل العرب مثل ذلك فتقول : ربّ لـيـلة قد بتها وبتّ فـيها ، قال الشاعر : @ ما شُقَّ جَيْبٌ ولا قَامَتْكَ نائحةٌ ولا بكَتْكَ جِيادٌ عندَ أسْلابِ @@ بـمعنى : ولا قامت علـيك . وكما قال الآخر : @ إحْدَى بَنِـي عَيِّذِ اللَّهِ اسْتَـمَرَّ بِهَا حُلْوُ العُصَارَةِ حتـى يُنْفَخَ الصُّورُ @@ القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ وٱلأبْرَصَ } . يعنـي بقوله : { وَأُبْرِىء } : وأشفـي ، يقال منه : أبرأ الله الـمريض : إذا شفـاه منه ، فهو يبرئه إبراءً ، وبرأ الـمريض فهو يبرأ برءاً ، وقد يقال أيضاً : برىء الـمريض فهو يبرأ ، لغتان معروفتان . واختلف أهل التأويـل فـي معنى الأكمه ، فقال بعضهم : هو الذي لا يبصر بـاللـيـل ، ويبصر بـالنهار . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } قال : الأكمه : الذي يبصر بـالنهار ، ولا يبصر بـاللـيـل ، فهو يَتَكَمَّهُ . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وقال آخرون : هو الأعمى الذي ولدته أمه كذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كنا نـحدّث أن الأكمه الذي ولد وهو أعمى مضموم العينـين . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ وٱلأبْرَصَ } قال : كنا نـحدّث أن الأكمه الذي ولد وهو أعمى مضموم العينـين . حدثت عن الـمنـجاب ، قال : ثنا بشر ، عن عمارة ، عن أبـي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس قال : الأكمه : الذي يولد وهو أعمى . وقال آخرون : بل هو الأعمى . ذكر من قال ذلك : حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } : هو الأعمى . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاح ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : الأعمى . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } قال : الأكمه : الأعمى . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد بن منصور ، عن الـحسن فـي قوله : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } قال : الأعمى . وقال آخرون : هو الأعمش . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا حفص بن عمر ، عن الـحكم بن أبـان ، عن عكرمة فـي قوله : { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } قال : الأعمش . والـمعروف عند العرب من معنى الكَمَهِ : العمى ، يقال منه : كَمِهَتْ عينه ، فهي تَكْمَهُ كمَهَا ، وأكمهتها أنا : إذا أعميتها ، كما قال سويد بن أبـي كاهل : @ كمِهَتْ عَيْناهُ حتـى ابْـيَضَّتا فَهُوَ يَـلْـحَى نَفْسَهُ لـما نَزَعْ @@ ومنه قول رؤبة : @ هَرَّجْتُ فـارْتَدَّ ارْتدادَ الأكْمَهِ فـي غائلاتِ الـحائِرِ الـمُتَهْتَهِ @@ وإنـما أخبر الله عزّ وجلّ عن عيسى صلوات الله علـيه ، أنه يقول ذلك لبنـي إسرائيـل ، احتـجاجاً منه بهذه العِبر والآيات علـيهم فـي نبوّته ، وذلك أن الكَمَه والبَرَص لا علاج لهما ، فـيقدر علـى إبرائه ذو طبّ بعلاج ، فكان ذلك من أدلته علـى صدق قـيـله ، إنه لله رسول ، لأنه من الـمعجزات مع سائر الآيات التـي أعطاه الله إياها دلالة علـى نبوّته . فأما ما قال عكرمة ، من أن الكمه : العمش ، وما قاله مـجاهد : من أنه سوء البصر بـاللـيـل ، فلا معنى لهما ، لأن الله لا يحتـجّ علـى خـلقه بحجة تكون لهم السبـيـل إلـى معارضته فـيها ، ولو كان مـما احتـجّ به عيسى علـى بنـي إسرائيـل فـي نبوّته أنه يبرىء الأعمش ، أو الذي يبصر بـالنهار ولا يبصر بـاللـيـل لقدروا علـى معارضته بأن يقولوا : وما فـي هذا لك من الـحجة ، وفـينا خـلق مـما يعالـج ذلك ولـيسوا لله أنبـياء ولا رسلاً ، ففـي ذلك دلالة بـينة علـى صحة ما قلنا من أن الأكمه : هو الأعمى الذي لا يبصر شيئاً لا لـيلاً ولا نهاراً ، وهو بـما قال قتادة : من أنه الـمولود كذلك أشبه ، لأن علاج مثل ذلك لا يدّعيه أحد من البشر ، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى ، وكذلك علاج الأبرص . القول فـي تأويـل قوله تعالى : { وأُحْيِى المَوْتَى بإذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } . وكان إحياء عيسى الـموتـى بدعاء الله ، يدعو لهم ، فـيستـجيب له . كما : حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر ، قال : ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : لـما صار عيسى ابن اثنتـي عشرة سنة ، أوحى الله إلـى أمه وهي بأرض مصر ، وكانت هربت من قومها حين ولدته إلـى أرض مصر أن اطلعي به إلـى الشام ، ففعلت الذي أمرت به فلـم تزل بـالشام حتـى كان ابن ثلاثـين سنة ، وكانت نبوّته ثلاث سنـين ، ثم رفعه الله إلـيه . قال : وزعم وهب أنه ربـما اجتـمع علـى عيسى من الـمرضى فـي الـجماعة الواحدة خمسون ألفـاً ، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ، ومن لـم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يـمشي إلـيه ، وإنـما كان يداويهم بـالدعاء إلـى الله . وأما قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ } فإنه يعنـي : وأخبركم بـما تأكلونه مـما لـم أعاينه وأشاهده معكم فـي وقت أكْلِكُمُوهُ . { وَمَا تَدَّخِرُونَ } . يعنـي بذلك : وما ترفعونه فتـخبئونه ولا تأكلونه ، يعلـمهم أن من حجته أيضاً علـى نبوّته مع الـمعجزات التـي أعلـمهم أنه يأتـي بها حجة علـى نبوّته وصدقه فـي خبره ، أن الله أرسله إلـيهم : من خـلق الطير من الطين ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الـموتـى بإذن الله ، التـي لا يطيقها أحد من البشر ، إلا من أعطاه الله ذلك ، علـماً له علـى صدقه ، وآية له علـى حقـيقة قوله من أنبـيائه ورسله ، ومن أحبّ من خـلقه إنبـاءَه عن الغيب الذي لا سبـيـل لأحد من البشر الذين سبـيـلهم سبـيـله علـيه . فإن قال قائل : وما كان فـي قوله لهم : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } من الـحجة له علـى صدقه ، وقد رأينا الـمتنـجمة والـمتكهنة تـخبر بذلك كثـيراً فتصيب ؟ قـيـل : إن الـمتنـجم والـمتكهن معلوم منهما عند من يخبره بذلك أنهما ينبئان به عن استـخراج له ببعض الأسبـاب الـمؤدية إلـى علـمه ، ولـم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات الله علـيه ، ومن سائر أنبـياء الله ورسله ، وإنـما كان عيسى يخبر به عن غير استـخراج ولا طلب لـمعرفته بـاحتـيال ، ولكن ابتداءً بـاعلام الله إياه من غير أصل تقدّم ذلك احتذاه ، أو بنى علـيه أو فزع إلـيه ، كما يفزع الـمتنـجم إلـى حسابه ، والـمتكهن إلـى رئيّه ، فذلك هو الفصل بـين علـم الأنبـياء بـالغيوب وإخبـارهم عنها ، وبـين علـم سائر الـمتكذبة علـى الله ، أو الـمدّعية علـم ذلك . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لـما بلغ عيسى تسع سنـين أو عشراً أو نـحو ذلك ، أدخـلته أمه الكتاب فـيـما يزعمون ، فكان عند رجل من الـمكتبـين يعلـمه كما يعلـم الغلـمان ، فلا يذهب يعلـمه شيئاً مـما يعلـمه الغلـمان إلا بدره إلـى علـمه قبل أن يعلـمه إياه ، فـيقول : ألا تعجبون لابن هذه الأرملة ، ما أذهب أعلـمه شيئاً إلا وجدته أعلـم به منـي . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : لـما كبر عيسى أسلـمته أمه يتعلـم التوراة ، فكان يـلعب مع الغلـمان ، غلـمان القرية التـي كان فـيها ، فـيحدّث الغلـمان بـما يصنع آبـاؤهم . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا إسماعيـل بن سالـم ، عن سعيد بن جبـير فـي قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : كان عيسى ابن مريـم إذ كان فـي الكُتّاب يخبرهم بـما يأكلون فـي بـيوتهم وما يدّخرون . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا إسماعيـل بن سالـم ، قال : سمعت سعيد بن جبـير يقول : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : إن عيسى ابن مريـم كان يقول للغلام فـي الكتاب : يا فلان إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا من الطعام فتطعمنـي منه ؟ فهكذا فعل الأنبـياء وحججها إنـما تأتـي بـما أتت به من الـحجيج بـما قد يوصل إلـيه من ذلك الوجه بحيـلة إلا من قبل الله . وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : بـما أكلتـم البـارحة ، وما خبأتـم منه عيسى بن مريـم يقوله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء بن أبـي ربـاح يعنـي قوله : { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : الطعام والشيء يدّخرونه فـي بـيوتهم غيبـاً علـمه الله إياه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع فـي قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : ما تأكلون : ما أكلتـم البـارحة من طعام ، وما خبأتـم منه . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : كان يعنـي عيسى ابن مريـم يحدّث الغلـمان وهو معهم فـي الكتاب بـما يصنع آبـاؤهم ، وبـما يرفعون لهم ، وبـما يأكلون ويقول للغلام : انطلق فقد رفع لك أهلك كذا وكذا ، وهم يأكلون كذا وكذا ، فـينطلق الصبـيّ فـيبكي علـى أهله حتـى يعطوه ذلك الشيء ، فـيقولون له : من أخبرك بهذا ؟ فـيقول : عيسى ، فذلك قول الله عزّ وجلّ : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } فحبسوا صبـيانهم عنه ، وقالوا : لا تلعبوا مع هذا الساحر ، فجمعوهم فـي بـيت ، فجاء عيسى يطلبهم ، فقالوا : لـيس هم ههنا ، فقال : ما فـي هذا البـيت ؟ فقالوا : خنازير ، قال عيسى : كذلك يكونون ! ففتـحوا عنهم فإذا هم خنازير ، فذلك قوله : { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودُ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } قال : ما تـخبئون مخافة الذي يـمسك أن لا يخـلفه شيء . وقال آخرون : إنـما عنى بقوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } : ما تأكلون من الـمائدة التـي تنزل علـيكم ، وما تدخرون منها . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } فكان القوم لـما سألوا الـمائدة ، فكانت جرابـاً ينزل علـيه أينـما كانوا ثمراً من ثمار الـجنة ، فأمر القوم أن لا يخونوا فـيه ، ولا يخبئوا ، ولا يدّخروا لغد ، بلاء ابتلاهم الله به ، فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئاً أنبأهم به عيسى ابن مريـم ، فقال : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ } قال : أنبئكم بـما تأكلون من الـمائدة ، وما تدّخرون منها . قال : فكان أخذ علـيهم فـي الـمائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا ، فـادّخروا وخانوا ، فجعلوا خنازير حين ادّخروا وخانوا ، فذلك قوله : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } . قال ابن يحيـى : قال عبد الرزاق : قال معمر ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن عمار بن ياسر ذلك . وأصل يدّخرون من الفعل يَفْتَعِلون ، من قول القائل : ذخرت الشيء بـالذال ، فأنا أذخره ، ثم قـيـل : يدّخر كما قـيـل : يدّكر ، من ذكرت الشيء ، يراد به يذتـخر ، فلـما اجتـمعت الذال والتاء وهما متقاربتا الـمخرج ، ثقل إظهارهما علـى اللسان ، فأدغمت إحداهما فـي الأخرى وصيرتا دالاً مشددة صيروها عدلاً بـين الذال والتاء ، ومن العرب من يغلب الذال علـى التاء فـيدغم التاء فـي الذال ، فـيقول : وما تذَّخرون وهو مذَّخر لك ، وهو مذَّكر ، واللغة التـي بها القراءة الأولـى ، وذلك إدغام الذال فـي التاء ، وإبدالهما دالاً مشددة لا يجوز القراءة بغيرها لتظاهر النقل من القراء بها ، وهو اللغة الـجُودَى ، كما قال زهير : @ إِنَّ الكَرِيمَ الذي يُعْطيكَ نائلَهُ عَفْواً وَيُظْلَـمُ أحْياناً فَيَظَّلِمُ @@ يروى بالظاء ، يريد : فـيفتعل من الظلـم ، ويروى بالطاء أيضاً . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . يعنـي بذلك جل ثناؤه : إن فـي خـلقـي من الطين الطير بإذن الله ، وفـي إبرائي الأكمه والأبرص ، وإحيائي الـموتـى ، وإنبـائي إياكم بـما تأكلون ، وما تدخرون فـي بـيوتكم ، ابتداء من غير حساب وتنـجيـم ، ولا كهانة وعرافة ، لعبرة لكم ، ومتفكراً تتفكرون فـي ذلك ، فتعتبرون به أنـي مـحقّ فـي قولـي لكم : إنـي رسول من ربكم إلـيكم ، وتعلـمون به أنـي فـيـما أدعوكم إلـيه من أمر الله ونهيه صادق ، إن كنتـم مؤمنـين ، يعنـي : إن كنتـم مصدّقـين حجج الله وآياته ، مقرّين بتوحيده ونبـيه موسى ، والتوراة التـي جاءكم بها .